IMLebanon

لا خروج من الأزمات عند كل استحقاق إلا بتحقيق مصالحة وطنية شاملة

ترى أوساط سياسية مراقبة أنه بات لا بد من تحقيق مصالحة وطنية شاملة تمهد لانتخاب رئيس للجمهورية أو تتحقق بعد انتخابه لتمهد طريق الحكم السلس في البلاد وتجنيبه انفجار الأزمات عند كل استحقاق، ولا سيما عند تشكيل الحكومات وعند اجراء انتخابات نيابية اذا لم يكن القانون يرضي كل القوى السياسية الأساسية.

وقد تكون معادلة “السين – سين” (السعودية – السورية) السابقة تصلح للعودة اليها لتكون أساساً لتحقيق هذه المصالحة التي لم تكن لتسقط لولا القرار السوري الذي عطل عقد مؤتمر في الرياض يحضره كل القادة اللبنانيين الممثلين للقوى السياسية الاساسية وتعلن في ختامه أسس المصالحة الوطنية الشاملة التي تقوم خطوطها الكبرى على صدور عفو شامل عن مرتكبي جرائم الاغتيال في لبنان بما فيها جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، خصوصاً وقد اقترب موعد صدور الاحكام بحق مرتكبيها، في مقابل حصر كل سلاح بالدولة وحدها تطبيقاً لاتفاق الطائف وتوصلاً الى اقامة الدولة القوية المنشودة التي لم تقم فيه منذ عام 2005 وحتى قبله عندما كان لبنان خاضعاً لوصاية سورية والدولة فيه دولة مستعارة سياسياً وأمنياً واقتصادياً.

لقد كان حسابات سوريا يومئذ وهي في موقع قوي تختلف عن حسابات السعودية فاشترطت تعطيلاً للمعادلة صدور عفو عام عن مرتكبي جرائم الاغتيال قبل أي عمل آخر، ما جعل وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل، رحمه الله، يستشيط غضباً ويعلن من القاهرة حيث كان في زيارة “رفع يد المملكة عن لبنان”، وهكذا عادت المشكلة الى نقطة البداية ولا تزال الى الآن.

والسؤال المطروح هو: هل يتم التوصل الى اتفاق على “لبننة” معادلة “السين – سين” بدءاً بالاتفاق على انتخاب رئيس للجمهورية بسعي إيراني وقبول سعودي باعتبار أن الوضع في سوريا اليوم بات مختلفاً عنه في الماضي والكلمة فيها باتت لإيران التي لا تريد أن يبقى السلاح في يد “حزب الله” عندما تزول أسباب بقائه. والكلمة أيضاً لروسيا التي تريد أن ينعم لبنان بالاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي، وهو ما تريده أيضاً وأيضاً الدول الشقيقة والصديقة للبنان، وهذا لا يتحقق الا أذا توقف تدخل سوريا في شؤونه الداخلية بحيث عجز اي رئيس للجمهورية عن الحكم فكان محكوماً، سواء في ظل وصاية سورية مباشرة على لبنان، أو في ظل وصاية غير مباشرة عليه.

لذلك فإن اهتمام الدول الشقيقة والصديقة المعنية بوضع لبنان يجعله دولة مستقلة سيدة حرة فعلاً لا قولاً، ولكن لا سبيل الى ذلك ما دامت سوريا هي الأقوى وتتدخل في شؤونه الداخلية وتجعل أي حكم فيه محكوماً منها. ولن يزول هذا الوضع الشاذ الا بتحقيق مصالحة وطنية شاملة في لبنان تحصن وحدته الداخلية وتجعل اللبنانيين بوحدتهم قادرين على أن يحكموا أنفسهم بأنفسهم، خصوصاً أنه عند قيام نظام جديد في سوريا من شأنه أن يساعد على جعل العلاقات اللبنانية – السورية وطيدة وثابتة، وذلك باحترام كل منهما سيادة واستقلال كل من البلدين، كما يصير في الإمكان حماية لبنان بتحييده عن صراعات المحاور.

ومعلوم أن روسيا هي مع تحييده وفقاً لما جاء في “إعلان بعبدا”، لكنها تشترط أن يلتزم كل اللبنانيين على اختلاف اتجاهاتهم ومشاربهم ومذاهبهم هذا الاعلان وليس طرف منهم من دون آخر. وتتفق روسيا أيضاً مع الدول المعنية بوضع لبنان على اعتبار أن تحييده عن صراعات المحاور بات ضرورة لحماية كيانه وتعزيز استقلاله وسيادته وحريته وترسيخ وحدته الوطنية التي تهتز كلما انقسم القادة في لبنان بين مؤيّد لهذا المحور أو ذاك، وهذا قد يتحقق عند قيام نظام جديد في سوريا وعهد جديد في لبنان بحيث يقوم بين الدولتين تعاون صادق يمكّن من تنفيذ القرار 1701 تنفيذاً دقيقاً كاملاً، وتنفيذ كل القرارات التي صدرت عن هيئة الحوار الوطني، ولا سيما تلك التي صدرت بالاجماع وتعذّر تنفيذها كاملة بسبب الموقف السلبي للحكم في سوريا منها لأنه لم يرَ في تنفيذها مصلحة لسوريا ولاستراتيجيتها في المنطقة.

فهل تتحقق المصالحة الوطنية الشاملة بين القادة في في لبنان ويقوم في سوريا حكم جديد متعاون بصدق مع الحكم في لبنان فتتحقق عندئذ مقولة أن سوريا لا تحكم من لبنان ولا لبنان يحكم من سوريا؟