Site icon IMLebanon

لا تفوتوا على الجيش فرصة تحقيق «النصر المبين»

نفذ الجيش عملية «فجر الجرود» بشكل باهر، فاجأ من خلال سرعة تنفيذه للمراحل الثلاث الأولى جميع المراقبين الدوليين والمحليين، كان اللافت جداً في العملية بأن الجيش لم يتكبّد في المواجهات المباشرة مع تنظيم الدولة الاسلامية اية خسائر في الأرواح، وأن الشهداء الأربعة والجرحى الذين سقطوا قد أصيبوا جرّاء انفجار الألغام والافخاخ المزروعة بشكل عشوائي في ميدان المعركة.

اتصفت عملية الهجوم بقوة نيران المدفعية ودقتها، كما ساهمت الصواريخ الموجهة التي أطلقتها الطوافات والطائرات في تحقيق اصابات دقيقة ومباشرة في تحصينات ومراكز العدو، وجاءت المناورة الهجومية سريعة، وعلى عدّة محاور، بعد الرمايات التحضيرية المباشرة ، حيث انطلقت التشكيلات الآلية والراجلة باتجاه الأهداف التي حددت لها في كل مرحلة من المراحل الثلاث.

تؤشر الإنجازات الميدانية التي حققها الجيش في الأيام الثلاثة الأولى للهجوم إلى المفاجأة والصدمة التي أصيب بها مقاتلو «داعش»، وهذا ما دفعهم إلى الانسحاب من مواقعهم إلى مواقع بديلة، في الوقت الذي كان من المتوقع أن يصمدوا ويدافعوا عن مواقعهم حتى النفس الأخير، وفق ما عودونا عليه في معاركهم السابقة في ريف حلب والرقة وغيرها من المواقع، حيث تميزوا في عملياتهم الانغماسية، وفي عمليات القنص، وأيضاً في تنفيذ هجمات ردّية محلية، من أجل مفاجأة القوى المهاجمة، وإرباك أو إفشال تقدمها نحو أهدافها.

لا بديل للنصر الحاسم

والسؤال المطروح بقوة الآن: ماذا عن المرحلة الرابعة والأخيرة للهجوم؟

من المؤكد بأن قيادة الجيش تدرك أهمية إنجازها بالكامل، والتي تعني عسكرياً القضاء على تنظيم «داعش» في الجرود أو مطاردته ودفعه للانسحاب إلى داخل الحدود السورية، وبالتالي تحقيق النصر الحاسم الموعود.

يطرح كلام الرئيس العماد ميشال عون بعد جلسة مجلس الوزراء الأخيرة التي انعقدت في بيت الدين حيث قال:«سيجري تنفيذ المرحلة الرابعة في الوقت المناسب»، عدّة تساؤلات حول الأسباب الكامنة وراء التأجيل، وعدم استفادة القوات العسكرية من قوة الاندفاع التي اظهرتها في المراحل الثلاث السابقة، ومن قوة الصدمة التي احدثتها مادياً ومعنوياً على المجموعات الإرهابية، والتي ظهرت جلياً من خلال انسحاباتها المتتالية من مواقعها الحصينة في المرتفعات والوديان الوعرة.

يبدو بأنه من المنطقي ربط هذا «الوقت المناسب» بالتطورات الجارية في المقلب السوري، سواء لجهة عدم تقدّم العمليات على الأرض بنفس السرعة التي تحققت في الجانب اللبناني، أو لجهة فتح الباب لمفاوضات تجري مع النظام السوري وحزب الله من أجل بحث شروط انسحاب «داعش» باتجاه دير الزور، وذلك على غرار السيناريو الذي سبق واعتمد في إجلاء مقاتلي «النصرة» من جرود عرسال إلى إدلب. وتأيدت ارجحية الخيار الثاني من خلال خطاب السيّد حسن نصر الله الأخير، حيث أعلن عن وجود مفاوضات في هذا الخصوص، كما دعا الدولة اللبنانية لتقديم طلب رسمي إلى النظام السوري إن كانت راغبة بالدخول كشريك فيها.

في رأينا لم يكن قرار تأجيل تنفيذ المرحلة الرابعة من الهجوم قراراً عسكرياً، بل هو سياسي وهذا ما يؤشر إليه كلام الرئيس عون بعد جلسة مجلس الوزراء، والذي جاء نتيجة اتصالات غير معلنة بين حزب الله والحكومة أو أحد أطرافها، من أجل الافساح في المجال لاستطلاع إمكانية فتح كوة في جدران أزمة الجنود المختطفين والموجودين لدى «داعش» منذ عام 2014.

الإستعدادات الميدانية للمرحلة المقبلة

وظّفت القيادات والوحدات العسكرية المشاركة في العملية الوقت الذي أتاحه تأجيل المرحلة الرابعة في تعزيز وتحصين المواقع الجديدة التي احتلتها وبالتالي اعدادها لتكون قاعدة للانقضاض الأخير على مواقع الارهابيين، وشملت هذه التحضيرات الميدانية الأعمال الآتية:

1- تنظيف منطقة العمليات من الألغام والمفخخات، وذلك ضمن خطة الحيطة والأمن لحماية تحرك الآليات، ومستعمليها بعد ان سقط للجيش شهداء وجرحى جرّاء وجود الألغام والمفخخات.

2- شق طرقات جديدة في السفوح ورؤوس القمم الوعرة من أجل تسهيل انتقال ومناورة الوحدات المؤللة والدبابات في العمليات المقبلة.

3- استحداث وتحضير مرابض جديدة للمدفعية، تحضيراً للعمليات الجديدة..

4- وضع خطط جديدة من أجل عملية سريعة وحاسمة تحقق النصر الكامل.

وترافقت هذه التحضيرات الميدانية للمعركة المقبلة مع عمليات تشديد الحصار على مجموعات الارهابيين الموجودة في وادي مرطبيا، والتي يقدر عددها بمئتي إرهابي، والعمل على استنزافها وتدمير اسلحتها الثقيلة وآلياتها الرباعية الدفع.

كان من الطبيعي ان تستفيد القيادات والوحدات المقاتلة من تجربة المراحل السابقة من أجل إعادة النظر وتشديد تدابير الأمان والحيطة الميدانية، من أجل تحقيق أمن وسلامة العسكريين، وخصوصاً أمن المسالك ومحاور التقدم، والتي لا تقتصر على نزع الألغام، بل وايضاً خلو مجنباتها من الأفخاخ والعبوات المتفجرة، مع التحوّط ايضاً لمنع أو إفشال أية محاولات لشن هجمات ردّية محلية.

وهكذا يكون الجيش قد استفاد من الوقت المتاح لتحضير انقضاضه الأخير والحاسم ضد مواقع الارهابيين في وادي مرطبيا، ولم يعد امامهم سوى الاستسلام أو مواجهة القتل والتدمير، أو الهروب باتجاه الأراضي السورية.

بين الحسم العسكري والتفاوض

ان الدعوة التي وجهها السيّد حسن نصر الله للتفاوض هي موجهة للحكومة اللبنانية للدخول في مفاوضات مع الحكومة السورية حول سيناريو يؤدي إلى انسحاب «داعش» باتجاه دير الزور. ولا تعني هذه الدعوة قيادة الجيش، وهي غير معنية بالرد عليها أو التجاوب معها.

في رأينا ان ما يجب ان تركز عليه القيادتان السياسية والعسكرية هو استكمال العملية العسكرية من أجل تحقيق «النصر المبين» والذي بات يمثّل أولوية وطنية وعسكرية، في ظل الإنجازات العسكرية الباهرة التي حققها الجيش في مراحل القتال السابقة، حيث أثبتت قدراته القتالية المتفوقة مدى جهوزيته ليكون القوة الوحيدة والقادرة على استرجاع المبادرة بقدراتها ومعنوياتها وجدارة قيادتها على خوض حرب فاصلة مع الإرهاب، ومع القوى الأخرى التي تشكّل تهديداً للأمن الوطني. ولا بدّ هنا من الإشارة إلى انه ووفق آراء المراقبين الأجانب، يمكن اعتبار الجيش اللبناني كأحد أبرز الجيوش في المنطقة القادرة على مكافحة المنظمات الإرهابية، خصوصاً بعد إضافة انتصاراته الأخيرة إلى ما سبق له ان حققه في مخيم نهر البارد ضد تنظيم «فتح الإسلام» عام 2007.

وفي الاستنتاج العام، تبرز على الصعيد الوطني أهمية ان لا نفوّت على الجيش فرصة تحقيق «النصر المبين» في معركته الراهنة، ويمكن تحقيق هذا النصر سواء بتنفيذ انقضاضته الأخيرة على مواقع «داعش» وتدميرها، أو بانسحاب الارهابيين باتجاه الأراضي السورية، دون قيد أو شرط، وبعد تسليم العسكريين المخطوفين. وهنا لا بدّ من تحذير الحكومة من الرضوخ لأية ضغوط للدخول في مفاوضات مع النظام السوري أو حزب الله من أجل تأمين انسحاب الارهابيين نحو دير الزور، لأن الدخول في هذه العملية سيعني تفويت الفرصة على الجيش لتحقيق الانتصار المطلوب، وتوظيفه لاحقاً لتحقيق الاستقرار في الداخل وعبر الحدود، وبالتالي استعادة السيادة الوطنية كاملة، ولا بدّ في هذا السياق من استثمار المكانة الجديدة للجيش من أجل وضع استراتيجية دفاعية وطنية تحل معضلة ازدواجية السلاح وقرار السلام والحرب، ليعود للدولة دورها الحصري في تحقيق السيادة وسلطة القانون.

في النهاية لا بدّ من توجيه دعوة صادقة للقيادات السياسية بأن لا يفوّتوا على الجيش تحقيق النصر، وعلى الشعب الاحتفال به ويعوذه الكرامة الوطنية.