من حيث المبدأ هناك شكوك دائمة في ما تروّجه وسائط الإعلام الاميركية التي، كما هو معروف، تقع تحت تأثير اللوبي الصهيوني… ليس فقط الإعلام الأميركي وحده، إنما أميركا كلها مع إسرائيل ضد العرب… ولم يسجّل في أي يوم من الأيام أنهم اتخذوا موقفاً محايداً، والعكس صحيح فإنّ كماً ضخماً من القرارات التي صدرت عن مجلس الأمن الدولي عطلت واشنطن تنفيذها، أو أصلاً حالت دون صدور الكثير منها بفضل الڤيتو الذي استخدمه الأميركي مئات المرات لمصلحة الدولة العبرية ضد قضية العرب الأولى فلسطين وشعبها.
سقنا هذه المقدمة لنصل الى ما نشرته “نيويورك تايمز” أخيراً عن أنه في شهر تشرين الثاني الماضي عقدت محادثات بين ولي عهد السعودية الأمير محمد بن سلمان ومحمود عباس وأنّه تبيّـن أنّ الأميركي عرض أن تكون ابو ديس عاصمة الدولة الفلسطينية، أي أن توسّع مدينة القدس لتشمل حدودها ابو ديس، وفي هذه الحال يقوم الإدعاء بأنّ قسماً من القدس أعطي الى الفلسطينيين.
هذا المشروع سبق أن عُرض على ياسر عرفات ورفضه، واليوم الرئيس محمود عباس (وعمره 83 سنة) من الطبيعي ألاّ يقبل بهذا المشروع المشبوه، لا هو ولا أي زعيم فلسطيني يقبل بالتفاوض حول القدس الشريف الذي هو رمز ديني.
وبالتالي لا يستطيع أي زعيم مهما علا شأنه أن يفرّط بالقدس… وتأكيداً على ما قلناه نلاحظ أنّ تركيا وجهت رسالة الى الولايات المتحدة تحذرها من مغبّة الإعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل سفارة واشنطن إليها.
والجدير بالذكر أنه قد لا يكون الرئيس الاميركي دونالد ترامب يدرك ويعرف ماذا تعني القدس بالنسبة الى العرب والمسلمين، ولكن غير مسموح لأي رئيس، خصوصاً رئيس أميركا ألاّ يكون لديه مستشارون يطلعونه على معاني القدس، وحتى القمة الخليجية التي عقدت في الكويت أمس بلغ الأمر بها حد نسيان قضية الأزمة بين الإمارات والمملكة العربية السعودية والبحرين وقطر وركّزت على قضية القدس.
وحتى رابطة العالم الاسلامي لا يمكنها أن تقف متفرّجة أمام قضية القدس.
وقد يظن البعض أنّ موضوع القدس في مرحلة الأوضاع العربية الصعبة، والتفتت الحاصل يمكن أن تحقق فيه إسرائيل أهدافها، باعتبار أنّ حرباً أهلية في سوريا أكلت الأخضر واليابس، والحروب في العراق وفي اليمن وفي ليبيا… ولكن هذا الظن ليس في محله.
إنّ مسألة القدس مثل كرة الثلج تبدأ صغيرة ويتعذّر تقدير أبعادها وحجمها، فكم بالحري إن كانت كبيرة في منطلقها.
ونحذّر واشنطن وتل أبيب من اللعب بنار القدس، لأنه فعلاً يتعذّر تقدير المدى الذي ستبلغه ردود الفعل العربية والإسلامية، الرسمية والشعبية، على هكذا لعب ستكون تداعياته أكبر مما يتصوّرون.
عوني الكعكي