في الوقت الذي كان العالم ينتظر جديداً من مفاوضات لوزان حول الملف النووي الإيراني وما سيتغيّر في معركة تكريت، جاءَت المفاجأة من اليمن، بعدما فرضَت عملية «عاصفة الحزم» أولويات جديدة على الخريطة المشتعلة في المنطقة. ما فتحَ الباب أمام سيناريوهات عدّة ترتبط إلى حدّ بعيد بمستقبل العمليات العسكرية. فما هو نصيب لبنان منها؟
لم يعُد منطقياً أن يجلدَ اللبنانيون عموماً، والمسيحيون خصوصاً أنفسَهم جرّاء تمادي الشغور الرئاسي والبحث في سُبل توفير النصاب القانوني لجلسة نيابية في مسلسل حلقات ممِلّة وقد تجاوز الحلقة العشرين بلا جدوى، وإنّ اعترافَهم بإضاعة كثير من الفرَص الاستثنائية كافٍ لتأنيب الذات.
لم يكن اللبنانيون ينتظرون أحداث اليمن ليتيقّنوا من أنّ رهانَهم على التفاهم الإيراني ـ السعودي لفكّ أسر الرئيس اللبناني العتيد ما زال بعيد المنال. وجاءَت أحداث اليمن لتزيد من مساحة الانتظار، بعدما تعمّقَت الشروخ في العلاقات بين طهران والرياض. فلبنان قطفَ من ثمار تفاهمهما حكومةً جديدة قبل 13 شهراً، ولم ينسحِب هذا الأمر على انتخاب الرئيس في المهلة الدستورية قبل نهاية ولاية الرئيس السابق.
ولذلك يتطلّع اللبنانيون إلى مجريات العمليات العسكرية في اليمن ليرصدوا من خلالها فترة الانتظار التي عليهم تمضيتها، خصوصاً أنّها شكّلت محطة خلاف جديدة بين السُنّة والشيعة في لبنان عكسَتها البيانات التي سبَقت في مواعيد صدورها إعلانَ الحكومات المعنية عن انخراطها في حرب اليمن دفاعاً عن الشرعية الدستورية اليمنية، وهو ما فتحَ الباب أمام سيناريوهات عدّة لمقاربة التطوّرات اليمنية بأبعادها الإقليمية والدولية.
وقبلَ الدخول في بعض السيناريوهات التي تعني اللبنانيين، تجدر الإشارة الى ما يجمَع بينها، وهو أنّها تتحدّث عن حرب طويلة ولن يكون فيها منتصر بالسرعة التي يتوخّاها البعض. فمسرح المعارك واسع جداً، والاقتناع الذي رسّخَته التجارب السابقة يؤكّد أنّ الحرب الجوّية لن تحسم المعركة.
وبالتالي فإنّ التفوّق الجوّي الذي تتغنّى به دوَل التحالف العشرة وإقفالَها المجال الجوّي اليمني الواسع في أقلّ مِن 15 دقيقة لن يُغيّر في واقع الأمور ما لم يترافق مع سيطرة برّية تُنهي قوّة الحوثيين وحلفائهم وتُعيدهم إلى حجمهم الطبيعي.
ولذلك يقول أحد السيناريوهات الأكثر واقعية إنّ الحرب الجوّية مستمرّة في المدى المنظور وستشهد مطبّات عدة وأفخاخاً تطاوِل طرفي النزاع وتزيد من تورّطهما في الحرب.
وهو ما سيقود حتماً إلى مواجهات برّية متى دخلت قوات التحالف الأراضي اليمنية وسط معلومات تتحدّث عن إمكان استخدام البرّ والبحر والجو طريقاً إلى عمليات برّية من مختلف الجهات دفعةً واحدة. ولكنْ دون هذه العمليات برّاً وجوّاً وبحراً كثيرٌ من العوائق، ما يوحي بأنّها عملية طويلة، وسيطول انتظار نتائجها ما لم يكن التصعيد العسكري وسيلةً للخروج من حال المراوحة التي عاشَتها اليمن على قاعدة «إشتدّي يا أزمة تنفرجي». فسقوط مشاريع الحلول السِلمية واحداً بعد الآخر خير دليل على ذلك.
وثمّة مَن ينتصر لهذه النظرية ويَعتقد أنّ العملية ستكون مكلِفة لجميع الأطراف، على السعوديين وحلفائهم وكذلك على إيران وحلفائها. لكنّها في الوقت عينه ستشكّل حرب استنزاف للطرفين ويمكن ان تقود الى «صيغة تفاهم» تكسر حال الجمود وتضع حدّاً للعمليات العسكرية التي، وفي حال التثبُّت من استمرارها لفترة طويلة، سيتراجع طرفاها لمصلحة الحلول الديبلوماسية والسياسية، ولكن بعد أن يكونا قد أُنهِكا فيها.
فيأتيان متساويين بضعفهما أمام الحلول السياسية التي يمكن أن تفرضها التفاهمات الكبرى وتتناول بالتأكيد ملفّات العراق وسوريا دفعةً واحدة طالما إنّ الجميع يقاتل الجميع. فالأحلاف عينها وأبطال المواجهة أنفسهم من سوريا إلى العراق فاليمن، وهي ساحات تحوّلت حقولَ تجارب لمختلف أنواع أسلحتهم حصراً.
وبعيداً من كلّ أشكال المواجهة المحتمَلة، فإنّ رهانَ اللبنانيين على التفاهمات الخارجية لفَكّ عقدة الرئاسة ما زال قائماً. فهم يدركون أنّ هناك مَن هو قادر على تجميد كلّ الخطوات الداخلية إلى حين، وسط اطمئنان الجميع إلى حجم ما هو قائم من استقرار وهدوء على الساحة اللبنانية.
فـ»عاصفة الحزم» التي زنّرَت اليمن ربطت لبنان بحبل إضافي. بعدما ثبتَ أنّ ملف اليمن لن يقدّم ولن يؤخّر في الساحة اللبنانية طالما إنّها تنتظر توافقا إيرانياً ـ سعودياً بعيد المنال، وهو بات مرهوناً بحلول تتناول أزمات المنطقة دفعةً واحدة.