هل اذا استعاد المسيحيون نفوذهم ودورهم الريادي في لبنان يعني ذلك اننا انتقلنا الى معادلة غالب ومغلوب؟ الجواب طبعا لا. اننا في الحقيقة ولاول مرة نعيش حالة «لا غالب ولا مغلوب» لانه في الماضي القريب كان المسيحيون هم المغلوب على امرهم وكان هناك منتصر ومنهزم في مجرى الحياة السياسية. والحال ان التشرذم المسيحي اضعف موقعهم في السلطة وخول زعماء الطوائف الاخرى الاستفادة من ذلك ويوظفون هذا الانقسام لمصلحتهم في توسيع كتلتهم النيابية. اما الان وبعد قيام تحالف بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، بتنا نسمع انتقادات جديدة للمسيحيين واتهامهم بأنهم غير حريصين على الصيغة اللبنانية ولا يأخذون باعتبار شجون الطوائف الاخرى. انما السؤال الذي يطرح نفسه: «هؤلاء الذين يشنون حملة على المسيحيين ويرفضون اقرار اي قانون غير الستين، هل زعامتهم وكتلهم النيابية نابعة من شعبيتهم ام انها مكتسبة من زمن الوجود السوري ومن قانون حمل في طياته «ما آلت اليه الحرب الاهلية»؟ وبمعنى اخر ان القانون الذي اعتمد في اجراء الانتخابات النيابية منذ انتهاء الحرب الاهلية وزع المقاعد على اساس من انتصر في الحرب ومن خسرها كما انه قوى قبضة الزعماء الذين تماشوا مع النفوذ السوري في لبنان؟
طبعا، الجميع في لبنان يطلق خطابات شعبوية تشدد على اهمية العيش المشترك وتطالب بالمساواة بين جميع الطوائف انما عندما اتحد المسيحيون واصبحوا قوة وازنة، امتعض زعماء باقي الطوائف وبدأوا يطلقون الاتهامات في محاولة التفاف على القوة المسيحية بإفشال اي مشروع او اي قانون يعكس عودة النفوذ المسيحي في لبنان وفي السلطة.
جميعهم كانوا يريدون مسيحيين ضعفاء منقسمين فيما بينهم لا تأثير فعلي في على الحياة السياسية. جميعهم كانوا مستفيدين من التشرذم المسيحي السابق اذ عززوا زعاماتهم وسلطتهم في مناطق لبنانية على حساب المسيحيين. البعض يريد مسيحيين اقوياء في الكلام فقط انما في قرارة انفسهم، هم خائفون من النفوذ المسيحي ومن وحدتهم لان هذا الواقع الجديد يقلص من دور زعماء لبنانيين كثر ويعيد التوازن في صيغ القرارات وفي اعتمادها سواء في مجلس الوزراء او في البرلمان النيابي. وما صرخة وليد جنبلاط وانزعاج سعد الحريري من اقرار قانون غير الستين الا انعكاسات مخاوفهما من الحلف الثنائي العوني – القواتي الذي بات قادرا على استخدام «الفيتو» حول اي قرار تشريعي او تنفيذي كما اصبح باستطاعته تأمين التأييد على مشاريع يطرحها الثنائي في البرلمان.
نعم كل ما نشهده، ونسمعه ونراه من ضجيج حول قانون الستين او اي قانون جديد هو فعليا رأس الجليد الذي يظهر ان القلوب «مليانة» من الثنائي العوني – القواتي وان الكلام عن العيش المشترك ما هو الا شعار رنان تختبئ وراءه الوجوه الغاضبة من عودة القرار المسيحي في صلب الدولة اللبنانية.