يعني «النأي بالنفس» او «تحييد لبنان عن الصراعات» -بحسب «اللقاء الجمهوري» اول من امس- في «علم السياسية» -الحياد Neutralité» وهو يعني امرين مترابطين ببعضهما البعض، والاّ كان «النأي بالنفس» -لعبة سياسية يلجأ اليها «غُب الطلب» من يريد ان يخدم مصالح «الفريق» الذي يُـمثّل لا اكثر ولا اقل! و»حياد لبنان» الحقيقي طُرح كـ»نظام سياسي» في لبنان في اواخر الخمسينات من القرن الـ٢٠ الماضي.. ثم في اعوام ١٩٦٧ و١٩٦٩ و١٩٧٣.. ثم عاد الى الظهور طوال اعوام الحرب القذرة ١٩٧٥ – ١٩٨٩، ثم غاد ليعود في عامي ٢٠٠١ و٢٠٠٦..
ثم عاد ليطل مرة جديدة الى «الصورة السياسية» مع دخول المحيط العربي لـ»لبنان» في عصر «الفوضى «الهدّامة»! او ما اطلق عليه في الغرب زوراً بـ»عصر الربيع العربي»!
على كلٍ، اعود واشير الى ان «الحياد» -او «النأي بالنفس» كـ»نظام سياسي» هو ما تُعرّفه اتفاقيات «لاهاي الدولية ١٨٩٩ و١٩٠٧ « Neutralité» وهو يعني امرين مترابطين ببعضهما البعض، اذا فقد احدهما فُقد الآخر… ولم يعد «الحياد» حياداً..! وهما:
١- «تصرفاً حراً» تتخذه «دولة ما بإرادتها في نطاق اختصاصاتها المفرزة، ويُطلق على هذا الحياد «الحياد الارادي» المؤقت وهو بذلك يتميز عن «الحياد الاتفاقي» الدائم الذي يمثل حال «دولة ملزمة بموجب معاهدة دولية (ما) باحترام الحياد، في كل الحالات، والاّ ترتبط ابداً بحرب هجومية.
٢- «نظاماً قانونياً» يُرتّب مجموعة من الحقوق والالتزامات على الدول التي تختاره، وعلى الدول التي تحترمه بموجب معاهدة دولية.
وفي هذا السياق نشير الى ان واجبات الدول المحايدة تدور حول نقطتين رئيسيتيين وهما: «الامتناع»، و»عدم التحيّز».
١- وقد تحدد واجب «الامتناع» ابتداءً من نهاية القرن الـ١٨، وهو يُحظّر على الدولة المحايدة منح اي مساعدة لاحد المتحاربين، إما مباشرة من جانبها كدولة، او من جانب افراد هذه الدولة.
ومع ذلك (وتطبيقاً للمبدأ العام الذي يقضي بأن «الحياد» شأنه شأن «الحرب»، علاقة دولة بدولة) فإن الدول المحايدة لم ترد ان تكفل بوسائلها الخاصة امتناع تابعيها عن قيامهم بتصرفات تتعارض مع «الحياد».
ولذلك اتجه الفقه والعمل معاً الى فكرة «المخاطرة» وارجو ان يُقرأ ذلك جيداً -والتي بمقتضاها يتحمل الافراد المحايدين مخاطر عملهم اضراراً بأحد المحاربين، الذي له ان يُوقع عليهم الجزاءات المناسبة لعملهم الضار اخلالاً بواجب «الامتناع».
وهكذا لا تتحمل «الدولة المحايدة» مخاطر تصرفات تابعيها، ولا يترتب عليها اي مسؤولية عن تصرفاتهم ازاء المحاربين، وواجب الدولة المحايدة الوحيد هو ان تسحب حمايتها عن اشخاصها، وان تترك المحارب المتضرر يتصرف تجاههم حماية لمصالحه.
٢- عدم التحيز Impartialité، ويتطلب الحياد كذلك من الدول المحايدة، ان تلتزم جانب المعاملة المتساوية لكل المتحاربين، ولا يوجد ما يسمى بـ»الحياد الخيّر» او «المجامل»، لاحد المتحاربين، لان العمل الخيّر او المجامل هذا، يعتبر عملاً غير خيّر او مجامل بالنسبة للطرف الآخر!
اما عن حقوق الدول المحايدة فتتلخص في خاصيتين:
١- عدم جواز انتهاك اقليم الدول المحايدة، وهو ما يدخل في اختصاصات «الحرب البرية»، وهو ما عبّرت عنه ديباجة اتفاقية «لاهاي «١٩٠٧»، حينما اكدت على ان: «على الدول المحايدة واجب معروف يقضي بأن تطبق القواعد التي تضعها تطبيقاً غير متحيّز في مواجهة مختلف المحاربين».
٢- حرية علاقاتها مع جميع المتحاربين، وهو امر يعني على الاخص الحرب البحرية.
وعلى هذا الاساس، فإن «المطالبة بتعديل الدستور اللبناني، ليصبح بموجب هذا التعديل «الحياد» هو اساس «النظام السياسي» لـ»الدولة اللبنانية» بحسب الاسس الوارد ذكرها (اي ان يحاكي النظام السياسي الجديد «التجربتين السويسرية والنمساوية)، هو «معادلة صعبة التحقيق» لأن تعريف «الحياد» دولياً هو «النأي بالنفس» عن «الازمات والصراعات والحروب» ولكن ليس على «الطريقة اللبنانية» التي تتطبق حالياً على «مزاج» فريق مُعيّن لتغيّب «لبنان» عن محيطه «القومي العربي الذي نص عليه الدستور اللبناني بحسب ما يريد هذا «البعض» اي بصيغة «الغالب والمغلوب» عبر «نبش احقاد الماضي»!!!
مع ان كل تجارب الماضي منذ ٣١-٨-١٩٢٠ التي اثبتت وتثبت ان لبنان لا يُحكم الاّ بـ»التوافق» اي «التوازن السياسي» اي بحسب ما اكد عليه الزعيم الوطني المغفور له «صائب بك سلام» بـ»الفهم والتفاهم – ولا غالب ولا مغلوب- ولبنان الواحد لا اللبنانين»..
اي بـ»الدولة الوطنية» او «دولة المواطنة» و»كلنا للوطن لبنان» الوطن النهائي لجميع ابنائه بدون اي اهواء إيديولوجية، ونبش احقاد الماضي، وترسبات هذا الماضي»، الغالب والمغلوب»…
وبعد… فهل لـ»الكلام الموحّد عن لبنان لا غالب ولا مغلوب» مكان في ظل «النرجسية السياسية» السائدة الآن في ظل من يريد لبنان غالب ومغلوب»؟؟