Site icon IMLebanon

هل قلبت صفحة النفايات..؟

انقسم المشهد، أمس الأوّل، في وسط بيروت إلى ثلاثة مشاهد، الأوّل في مجلس النواب حيث اجتمعت قيادات مختلف الأحزاب والتيارات حول طاولة حوار أكل عليها الزمن وشرب، وطرحت موضوع الانتخابات الرئاسية، القديم الجديد، والعقدة الأكبر التي تآكلها الغبار من دون أن ينجح أحد من الأفرقاء في إحداث خرق معين لالتماس طريق الخروج من هذا النفق الطويل.. وهي نتيجة متوقعة لاجتماع دخل أقطابه تحت وابل بيض الشعب الغاضب، وخرجوا يجرون ذيول الفشل والخيبة لمن كان ساذجاً فتأمل بعض الحلحلة منهم!

أما المشهد الثاني، فكان مختلفاً بعض الشيء، ففي مجلس الوزراء، نجح الوزير اكرم شهيب بانتزاع الموافقة على خطته لحل أزمة النفايات، ولو لم يكن بأفضل الحلول المرجوة إلا أنها أفضل المتوفر، ليضع حداً للأزمة البيئية المتفاقمة وللتراشق العبثي للمسؤوليات.

وأخيراً، بقي المشهد الثالث في الساحات، حيث استمر الحراك الشعبي في رفع الصوت حول مطالب حياتية باتت أكثر من ملحة، وغضب شعبي متزايد بسبب تفاقم أزمة النفايات والكهرباء والمياه في ظل ظروف اقتصادية أكثر من بائسة، وتقاعس المسؤولين عن إيجاد الحلول السريعة بانتظار الصفقات والتلزيمات. إن اليأس من إمكانية إخراج مؤسسات الدولة من دوّامة الفساد قد فاقم النقمة الشعبية ودفع بالناس إلى الشوارع، من كل الفئات والمناطق وتحت مختلف الرايات، يوحدهم الحرمان من الحدود الدنيا للعيش الكريم أسوة بكل بلاد العالم، إلا أن مسؤولية منظمي هذا الحراك الشعبي باتت مضاعفة، بعدما أثبت جدواه ووضع أزمة النفايات على طريق الحل من دون تأخير، والمسؤولية هنا متشعبة في عدة اتجاهات، أهمها الحفاظ على سلمية الحراك ومنع المخلين بالأمن والاستقرار من تحويل ساحة الحرية الى ساحة مواجهات مع القوى الأمنية، وتحويل الأنظار عن المطالب المحقة وحق التعبير المشروع.

من ناحية أخرى، لا بدّ من قطع الطريق على الاستثمار السياسي الذي يمكن أن يحوّله من محاربة للفساد بشكل عام إلى محاربة ضد فئة معينة ضمن مناطقية فئوية ضيّقة.

وأخيراً، والأهم، أن يبقى منسقو هذا الحراك على نفس الموجة مع الشارع، من دون أن ينساقوا إلى زواريب السياسة الضيّقة، ويدخلوا في دوّامة الرفض القطعي والمبدئي من دون طرح الحلول المجدية التي تحرّك عجلة الوزارات والمؤسسات الرسمية في حل القضايا المعيشية بأسرع وقت، بعيداً عن تسجيل النقاط أو التعطيل الفارغ.. فبعد النفايات، التي يُفترض انها فتحت أبواب الحوار مع الدولة لإيجاد أفضل الحلول علمياً وعملياً في آن، حان وقت الكهرباء التي تشهد أسوأ أيام أداء شركتها ونحن في الـ2015، حيث بشّرنا وزير الطاقة السابق جبران باسيل اننا سنتمتع بالتيار، الكهربائي طبعاً، 24 ساعة يومياً، وليس ثلاث ساعات كما هو حالنا اليوم، بعدما تبخر المليار ونصف المليار دولار التي رصدت وتسلمها في وزارته حينها. أما المياه، فحدّث  ولا حرج مع كم النفايات التي لوّثت الأنهار والمياه الجوفية، وما إلى هنالك من مصادر تلوث وشح حولتها الى أكثر من جافة.

أما سلسلة الرتب والرواتب التي أعادت الهيئات النقابية رفع مطالبها في التجمع الأخير، فهي المطلب القديم والذي حذر من دون أن يعالج فعلياً، فبقيت الشريحة الأكبر من المواطنين ترزح تحت عبئه الاقتصادي الذي فاق قدرة التحمّل مع الركود التجاري وانعدام فرص العمل.

لقد ألمح فريق من منسقي الحراك الشعبي في حلقة متلفزة عن الرفض التام لخطة الوزير شهيب.. إلا أن هذا الرفض اذا لم يترافق بمقترحات جدية لإيجاد البدائل الواقعية، سنكون وقعنا جميعاً في فخ التعطيل من جديد، مع قطع أواصر الحوار مع السلطة، وحجب الخطط البديلة عنها، في وقت يتوقع اللبنانيون استغلال مرحلة التجاوب هذه للتطرق إلى الملفات المعيشية التي سبق ذكرها، من دون تأخير.. حتى يحين الملف الأكبر والذي سيُعيد إلى الجمهورية رئيسها وإلى الدولة مؤسساتها!