تشهد سوريا اليوم، خصوصاً مناطق سيطرة الحكومة، انتخابات نيابية تتميّز بحماسة في صفوف المرشّحين من نادي «مؤيّدي الدولة»، حيث بلغَ عددهم 11341 مرشّحاً قبل أن تبتّ لجان الترشيح الفرعية بقانونية طلبات الترشيح، فيما انسحبَ مرشّحون آخرون عشيّة اكتمال اللوائح الحزبية، ليتنافس الباقون على 250 مقعداً لدورة نيابية تدوم 4 سنوات.
مشهد يبدو خارج سياق الحرب التي طوَت عامها الخامس على ما يزيد عن مئتي ألف ضحية وأضعافهم من الجرحى والمصابين والمفقودين، فضلاً عن أضرار في البنية التحتية وتدمير أكثر من مليون منزل وملايين النازحين في الداخل بين المحافظات ولاجئين إلى خارج الحدود.
وإذا كان «الصمت الانتخابي» قد أطبق على المرشحين منذ صباح أمس، إلّا أنّ وزيراً بارزاً في الحكومة وضعَ الانتخابات في خانة الواجب الدستوري الذي لا يحقّ للحكومة التهرّب منه، منعاً للفراغ، والذي تبدو حكومة دمشق حريصة على عدم السماح له بالتسلّل إلى إدارات الدولة رغماً من الحرب وويلاتها.
ويكشف المصدر الحكومي عن توجّه لدى قيادة حزب البعث العربي الاشتراكي (صاحب الغالبية النيابية) فتح بموجبه نافذةً لذوي الشهداء، إضافةً إلى العنصر النسائي، في اللوائح (شبه المحسوم فوزها) على حساب بقية مكوّنات الشعب وشرائحه، مع اعتراف رسمي بأنّها نافذة غير كافية لعبور جميع ذوي الشهداء من الطامحين والمؤهلين لدخول المجلس، إذ لا يخلو منزل من شهيد (على حدّ قول الرسميين).
أمّا عن طريقة إجراء الانتخابات في المناطق الواقعة تحت سيطرة المعارضة، فيُشير المصدر الحكومي إلى أنَّ الدولة السورية شرَّعت ما يستَوجب على الصعيد القانوني، وجهّزت ما يلزم على المستوى اللوجستي، إلى صناديق اقتراع للنازحين من أبناء المحافظات التي تشهد نزاعات أو هي تحت سيطرة المعارضة المسلّحة، في محافظات تحت سيطرة الدولة يمكنهم من خلالها المشاركة في عملية الاقتراع ترشيحاً واقتراعاً، فعلى سبيل المثال يُمكن لأبناء محافظتي إدلب وحلب الاقتراع في طرطوس، وقِس على ذلك.
هذا في الموقف الرسمي، أمّا خلف الكواليس فيبدو أنّ هناك عاملَين أساسيَّين دفَعا الدولة إلى إجراء هذا الإستحقاق قبل منتصف نيسان (سقف الموعد الدستوري للاستحقاق).
وتكشف إحدى الشّخصيات اللصيقة بدائرة صنعِ القرار في دمشق عن هذين العاملين: الأوّل، منح العسكريين الحقّ بالإدلاء بأصواتهم من دون حقّ الترشّح، وهذا ما أضافَ كتلة ناخبة كبيرة.
وذلك بعد إدخال التعديلات على المادة السادسة من قانون الانتخاب العام والتي بموجبها «باتَ للعسكريين الحقّ بالتصويت في أماكن خدمتهم، وليس بالشهادة أو الإصابة وحسب».
الثاني: وضع الرئيس بشّار الأسد في جيبه ورقة قوية في مرحلة التفاوض الجدّي للحلّ السياسي، حيث يمكنه حلّ البرلمان المنتخَب.
أمّا في موقف الحلفاء، فسُجّل موقف بارز لرئيسة قسم السياسة الخارجية في اللجنة المركزية للحزب التشيكي الحاكم فييرا فلاساروفا التي أشادت بتوقيت الانتخاب ورأت فيه عاملاً جوهرياً بالنسبة إلى مستقبل سوريا، خصوصاً أنّ الانتخابات تتمّ فيما يُحقّق الجيش السوري انتصارات ملموسة في حربه ضدّ الإرهاب، لافتةً إلى «تحرير مدينتَي تَدمُر و«القريتين» اللتين تشكّلان خطوةً على طريق محاصرة تنظيم «داعش» الإرهابي والقضاء عليه»، على حدّ قولها لوسائل إعلامية.
مع الإشارة إلى أنَّ أركان الحكومة السورية يرَون في دولة تشيكيا أحد أبرز المفاتيح إلى القارّة الأوروبية، في وقتٍ غلبَ الصمت على الإدارة الروسية حيال الاستحقاق، على الرغم من الدور الكبير الذي ساهمت فيه بلادها في السير بالاستحقاق الانتخابي وإتمامِه عبر «الهدنة» التي بدت أبرزَ عوامل إنجاح الاستحقاق، على رغم القلق من «التحضيرات الجارية للخرق شمالاً بدعم تركي»، كما تقول القيادة العسكرية الروسيّة. أمّا إيران فكانت قد كرّرت على لسان أكثر من مسؤول أهمّية إجراء الاستحقاقات السورية في مواعيدها واحترام تلك المواعيد.
وإذا كان الحليف الروسي قد دعَم الاستحقاق بطريقة غير مباشرة عبر الهدنة، والإيراني التزمَ تأكيد أهمّية الاستحقاقات الدستورية واحترام مواعيدها وصولاً إلى مدة بقاء الأسد في الرئاسة، فإنّ لـ»حزب الله» مقاربة شبيهة بمقاربة الحكومة السورية مع سؤال مضاف: «كيف لسوريا أن تجري انتخاباتها فيما يُمدّد لبنان لمجلس نوّابه تذرّعاً بمضاعافات الحرب السورية؟.
وعليه يبدو أنّ الاستحقاق اللبناني سيكون من المستحيل تأجيله مرّةً جديدة، على حدّ قول مصادر حزب الله». وبعيداً من الدولة السورية وحلفائها، بَدت المعارضة الخارجية غير معنية بالاستحقاق، فيما انقسَمت المعارضة الداخلية حياله مع يقينها بأنّ أيّ استحقاق انتخابيّ في الوقت الراهن سيُحقّق فيه «المؤيّدون» فوزاً سهلاً وساحقاً.
وعليه يبدو أنّ إنتخابات مجلس الشعب السوري ليست محطة أساسية على سكّة الحلّ السياسي، إلّا أنّها قوّة دفعٍ خفية للحلّ السياسي، حيث قد يلجأ الأسد إلى حلّ مجلس الشعب في لحظة التفاوض الحقيقية، فضلاً عن تشريع حقّ العسكريّين في الاقتراع، وهو ما سيطرح في إطار المقايضة أو بالموازاة مع اقتراع اللاجئين في دوَل الجوار.