مسيرات وداع الشهداء الأبطال إلى مثواهم الأخير في قراهم، كشفت حجم الهوّة المخيفة التي تفصل بين الطبقة السياسية والمواطنين، على اختلاف ألوانهم الطائفية، وتعدد انتماءاتهم المناطقية.
كوكبة الشهداء، الذين اغتالتهم أيدي الإرهابيين غدراً وحقداً، اختصرت النسيج الاجتماعي الوطني، وسطرت بتضحيات الأبطال ودمائهم الزكية، صفحة مشرقة من التلاحم والمصير المشترك بين أبناء الوطن الواحد.
لم يميّز الإرهابيون بين الجندي المسلم والجندي المسيحي، ولا بين السني ورفيقه الشيعي، ولم يسألوا عن مناطقهم وعائلاتهم، ولا عن مراجعهم السياسية والحزبية، فكان أن اختلطت دماء ابن اللبوة مع زميله ابن القلمون، وتعانقت أرواح جنود أبناء عكار مع رفاقهم من أبناء بعلبك – الهرمل.
في حين بقي أهل السياسة على خلافاتهم، وخلف متاريس المصالح والحسابات الضيّقة، يتراشقون بالتهم والمزايدات الفارغة، الأمر الذي يكاد يُفرغ انتصار الجيش الحاسم في معركة «فجر الجرود» من مضمونه الوطني، ويُشوّه وحدة الموقف والالتفاف الشامل حول الجيش.
ماذا يعني رمي مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع في الجرود على أطراف هي أبعد ما تكون عن مواقع المسؤولية؟
ولماذا الإصرار على تحميل الحكومة السابقة، ورئيسها المشهود بآدميته ونظافته وشفافيته، والمعروف بمواقفه الوطنية الصافية، والبعيدة عن غبار المصالح والتطرّف، المسؤولية عن مصير العسكريين الشهداء؟
ولمصلحة مَن إعادة فتح السجالات النارية حول معركة عرسال 2014، ونكء جراح كادت تتسبب في انفجار فتنة مذهبية لا تُبقي ولا تذر؟
ليت بعض السياسيين يرتفعون إلى مستوى الدماء الطاهرة والأرواح الشابة التي قدمها العسكريون الأبطال، دفاعاً عن الوطن وعن أمن مواطنيه!