IMLebanon

هل يُدرك محور «الممانعة خطر الغليان والتمرّد في الشارع..؟

من سياسة التعطيل المتمادية، والتي شلّت البرلمان والحكومة، إلى ضرب مبادرة الحريري الرئاسية، إلى إطلاق ميشال سماحة، وقائع تؤكد أن «محور الممانعة» يتصرّف في مواقع السلطة على قاعدة «الأمر لي»، وكأنه يتفرّد بحكم البلد، وتدبير شؤون الناس، من دون الشركاء الآخرين في الحكومة، وبقية مراكز القرار!

المشكلة أن حجم هذه القاعدة، يكبر يوماً بعد يوم، ويتقدّم أكثر فأكثر في قضم دور الدولة، ومصادرة قرار السلطات والأجهزة الشرعية، من دون الأخذ بعين الاعتبار تزايد المخاطر التي تسببها مثل هذه الممارسات، ليس على الأوضاع العامة وحسب، بل على الصيغة الميثاقية نفسها، والمعادلة الوطنية المنبثقة عنها.

تكاد الشكاوى تتحوّل إلى أحاديث يومية، حول ما يجري في المطار، وما هو جارٍ منذ فترة في المرفأ، وما يحصل بشكل سافر في الدوائر المالية والعقارية والبلدية، إلى جانب ما يحدث من تدخلات في القضاء، كان آخرها إطلاق سماحة، وفي الأجهزة الأمنية بالنسبة للتطويع والمناقلات والتعيينات!

كل ذلك يجري تحت نظر وسَمَع قوى 14 آذار، المفترض أنها شريكة فاعلة في السلطة، وممثلوها يتبوأون مراكز قيادية وسيادية في الحكومة، كما في الإدارات العامة والقضاء والأسلاك العسكرية والأمنية، ومع ذلك تبقى ردود فعلها خجولة، ولا تصل مواقفها إلى مستوى التحدّيات التي تثيرها تصرفات فريق 8 آذار!

* * *

وليس بعيداً عن التقدير، أن ما يجري في لبنان، وإلى حدٍ ما في سوريا والعراق، يبدو وكأن فريق «الممانعة» يَعتبر نفسه منتصراً في المواجهة المفتوحة منذ سنوات، ميدانياً وسياسياً، وبالتالي فمِن حقه أن يتفرّد بالقرار، ويحتكر مغانم السلطة، طالما خصومه التقليديون، والجدد الطارئون، يعانون حالة إرباك، تصل عند البعض إلى مستوى الضياع، وذلك لألف سبب وسبب، لا مجال للخوض في تفاصيلها الآن، ولعل أبرزها غياب الرؤية الواحدة، وافتقاد وحدة الموقف، التي تؤمّن انتظام كل أطراف هذه القوى في خطة واحدة، وضمن بوتقة واحدة، يسهل تفعيل قواها، وتكون قادرة على التصدي للمستجدات الميدانية، وللتحديات السياسية.

لا بدّ من اعتبار الاتفاق النووي بين إيران والمجتمع الغربي، بمثابة منعطف مفصلي للتطورات والأحداث الدراماتيكية في المنطقة.

لقد وضعت طهران، وحلفاؤها الآخرون في المنطقة، أنفسهم على منصة الرابح الأوّل في المفاوضات المضنية مع عواصم القرار الغربي، بما فيهم الولايات المتحدة الأميركية!

وراح أطراف المحور الإيراني في المنطقة، يتصرّفون وكأن خصومهم، سواء أكانوا أنظمة أم تيارات وأحزاب سياسية، هم الخاسرون، وبالتالي يحق عليهم عقاب المنهزم!

في حين أن واقع الأمر يختلف كثيراً عن مثل هذه الادعاءات الإيرانية، وما زالت الأوضاع الراهنة في المنطقة حبلى بشتى المخاطر والتحديات، التي لا تستطيع طهران أن تنأى بنفسها عنها.

* * *

صحيح أن إيران خرجت من متاهات العقوبات الدولية، وتحرّر اقتصادها من الحصار الخانق الذي بقي أسيره منذ السنوات الأولى لقيام «الجمهورية الإسلامية».

وصحيح أن الودائع الإيرانية في أميركا ستعود إلى طهران مع فوائدها، بمبالغ إجمالية قد تصل إلى حدود الملياري دولار، إضافة إلى عودة النفط الإيراني إلى الأسواق العالمية، فضلاً عن «الهجمة» المتوقعة للاستثمارات الغربية في إيران، ولكن كل ذلك لا يُغيّر من أهمية حقيقة لا بدّ أن يدركها الإيرانيون قبل غيرهم: آن أوان الانتقال من ممارسات الثورة إلى سياسة الدولة، بكل ما يعني ذلك من إحداث تغييرات جذرية في السياسة الخارجية الإيرانية، وفي التوجهات التي تحكم العلاقات مع دول الجوار العربي.

لقد أتعبت سياسات المتشددين في طهران، الدولة الإيرانية، وحوّلت حياة الشعب الإيراني إلى جحيم لا يطاق تحت ضغوط الحصار الاقتصادي والعقوبات الدولية، إلى أن تمكن الجناح الأكثر اعتدالاً في السلطة، من مقايضة الطموح النووي بالمصالحة مع المجتمع الدولي.

ولكن نتائج هذه المصالحة، وما تحمله من آفاق في المرحلة المقبلة، لن تكتمل إذا لم تتخل طهران عن سياسات تصدير الثورة، وإحداث الفتن في دول الجوار، وتمويل الميليشيات التي تثير القلائل والاضطرابات في بلدانها!

وقبل كل ذلك، يبقى من الأهمية بمكان أن تتصرّف طهران بحكمة وتبصّر وتواضع، مع الجيران العرب، وأن لا تأخذها زهوة النصر الوهمي بعيداً في مغامرات جديدة، لن يَبقى الجسم الإيراني بعيداً عن تداعياتها السلبية!

* * *

أما في لبنان، فمن نافلة القول أن محور الممانعة، لا يستطيع أن يستمر بالتصرّف والتفرّد، وكأنه فريق منتصر على خصومه التقليديين في 14 آذار، وبقية مكونات النسيج اللبناني، لأن الإمعان بسياسة التحدي، وفرض الخيارات على الآخر، سيؤديان عاجلاً أم آجلاً، إلى زرع بذور حرب جديدة في البلد، قد لا تتأخر شرارة اشتعالها، في ظل الاحتقان المهيمن على «الشارع المظلوم»، والذي قد يجد مَن يستغل مشاعر المظلومية وكبت الاحتقان، ليُشعل الساحة اللبنانية من جديد، بحجة ردع أحزاب الممانعة عن تنفيذ مخططات الهيمنة والتفرّد!

إطلاق ميشال سماحة.. أطلق إنذاراً خطيراً للتنبيه إلى حالة الغليان والتمرّد في الشارع…

فهل يُدرك محور الممانعة الخطر قبل فوات الأوان، ويجنب البلاد والعباد الوقوع في مغامرات ومخاطر حروب جديدة، لن يخرج منها أحد منتصراً؟