IMLebanon

هل ينعكس انسحاب روسيا إيجاباً على لبنان؟!

يبدو أنّ القرار الأخير الذي اتخذه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بسحب قوّاته العسكرية من سوريا، والذي جاء مفاجئاً تماماً على غرار قرار التدخّل فيها سيُساهم، على ما توقّعت أوساط ديبلوماسية عليمة، في الإفساح في المجال أكثر فأكثر للحلّ السياسي، لا سيما بعد أن باتت الهدنة شبه مؤكّدة، وستستمر في المرحلة المقبلة، الأمر الذي سينعكس إنفراجاً على دول المنطقة ككلّ، ومن بينها لبنان بالدرجة الأولى. فالجميع، على ما يظهر مقتنع بما حقّقه على الأرض ويريد الحفاظ عليه وفقاً للتقسيم الموضوع للبلاد.

وترى الاوساط بأنّ ما أدّت اليه الأزمة السورية من فوضى، وعنف وجرائم وتفاقم للإرهاب وتفشّيه، كان ليستمرّ لسنوات بعد، لولا انعكاساتها وتداعياتها على دول الجوار بشكل متفاقم، كما على الدول الأوروبية لجهة تصدير الإرهاب من جهة، ومسألة النازحين من جهة ثانية. غير أنّ تدخّل المجتمع الدولي في هذه الأزمة، جعلها تجد طريقها الى الحلّ، رغم نزاع دول عدّة فيها، وتطاحنها فيما بينها على مستقبل البلاد، كما على مصالحها في المنطقة.

وما يُحكى عنه بأنّ ثمّة اتفاقاً روسياً – سعودياً، أو تسوية للحلّ في سوريا، وإلاّ لما انسحبت روسيا منها بهذا الشكل المفاجىء، يبدو أنّه حقيقة، على ما تؤكّد الأوساط الديبلوماسية نفسها، كون استمرار الخلاف بين هاتين الدولتين من جهة، وبين السعودية وإيران من جهة ثانية، لن يؤدّي على المدى البعيد سوى لحرب عالمية ثالثة، تُهدّد بفناء الكون في ظلّ وجود القنابل الذرية والنووية التي بإمكانها إبادة دول عن خارطة العالم.

أمّا اللقاءات القريبة التي ستُعقد بين المسؤولين السعوديين والروس، فستؤكّد على ما تقول الأوساط، على أنّ انسحاب روسيا من سوريا، ليس مناورة إنّما هو لإعطاء المزيد من الفرصة أمام الحلّ السياسي، لا سيما بعد أن أظهرت أنّها قوة عظمى في المنطقة والعالم، يمكنها التدخّل ساعة تشاء، والإنسحاب ساعة تشاء أيضاً. الأمر الذي يجعل الكثير من الدول الإقليمية تخشى من قراراتها المستقبلية، وإن قامت بالإنسحاب كمن يغسل يده من الأزمة قبل أن تنتهي بشكل أكيد.

أمّا مصير الرئيس السوري بشّار الأسد، والذي هو موضع الخلاف بين فريقي النزاع المتدخلين في سوريا، فيبدو أنّه سيتمّ التوافق عليه انطلاقاً من أنّ الشعب السوري هو الذي سيقرّره من خلال الإنتخابات الرئاسية المقبلة (في العام 2017)، والتي قد يتمّ تقريب موعدها لضرورات تتعلّق بمستقبل الشعب والبلاد والإعمار والعودة وما الى ذلك.

وإن كانت حصلت التسوية أم لم تحصل، بحسب بعض العارفين، فإنّ عودة الأمن والهدوء الى سوريا من شأنها أن تنعكس بشكل سريع على لبنان. فالكثير من النازحين السوريين الذين يعيشون حالياً في المناطق القريبة من الحدود، أو حتى الموزّعين على المناطق الأخرى ينتظرون وقف النار وعودة الاستقرار الى بلادهم لكي يعودوا اليها، بعد أن تعبوا من التهجير والتشرّد والعيش في الخيم. فهؤلاء يرتاحون أكثر في سوريا سيما وأنّهم لم يتقدّموا بأي طلبات هجرة الى أي من الدول التي فتحت باب هجرتهم اليها، إلاّ أنّهم يخشون من عدم القدرة على تأمين لقمة العيش سريعاً إذا ما عادوا الى مناطق منكوبة.

من هنا، تضيف الأوساط نفسها، أنّه بعد استكمال المفاوضات في جنيف، سيتمّ العمل سريعاً على موضوع كبير هو «إعادة بناء سوريا»، لا بدّ وأن تُساهم فيه الأسرة الدولية بأكملها. وستتواصل بالتالي عملية إيصال المساعدات الغذائية للنازحين في سوريا من منطقة الى أخرى، كما للعائدين اليها من لبنان أو من دول الجوار الأخرى مثل تركيا والأردن والعراق. ومع اتخاذ مثل هذه الإجراءات لا يبقى أمام النازحين السوريين أي خشية من عدم الحصول على المساعدات المالية الشهرية التي كانت تأتيهم من المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في لبنان.

كذلك فإنّ الكثير من اللبنانيين سيستعيد أرضه التي كان النازحون يقيمون خيمهم عليها، والبعض الآخر مهنته التي نافسه عليها النازح السوري بسعر أقلّ، وتعود أمور كثيرة في البلاد الى مجاريها بعد أن تنتهي كارثة النزوح ومعاناة السوريين واللبنانيين منها على حدّ سواء. وإذا ما كان البعض يُراهن على أنّ العديد من السوريين سيبقى في لبنان، رغم فتح باب العودة لاحقاً، لأنّه وجد عملاً ومنزلاً واستقرّ في هذه البلاد، فإنّ الأوساط نفسها، تُشكّك في مثل هذا الكلام، انطلاقاً من أنّ كلّ إنسان يشعر بأنّه غريب في غير أرضه ووطنه، حتى وإن وجد فرص عمل وحياة أفضل.

وكون لبنان مع تحقيق عودة النازحين السوريين الى بلادهم، فلا بدّ لحكومته السعي لدى المجتمع الدولي، على ما شدّدت الأوساط، لتأمين كلّ مستلزمات العيش الكريم للنازحين السوريين لدى عودتهم الى ديارهم، ووضع الخطط المناسبة للمرحلة المقبلة. وعلى هذا الأساس، فإنّ أي منهم لن يرفض العودة، باستثناء الذي لا يزال ينتظر الموافقة على طلب لجوئه الى دولة أجنبية ما. وفيما عدا ذلك، فعلى الجميع العودة لإعادة إعمار بيته وحيّه وبلده، والعيش بكرامة.