مع تراجع اسعار النفط مجدداً الى 46 دولاراً للبرميل، ومع التباطؤ الاقتصادي وتراجع الايرادات في الدول المنتجة للنفط، يواجه الشعب اللبناني صعوبات إيجاد فرَص العمل المناسبة او حتى الاحتفاط بأعماله خصوصاً في الخليج وحتى في دول عالمية أخرى. ويهدّد ذلك جدياً حجم التحويلات المالية السنوية الى لبنان، وهي التي تشكّل المصدر الوحيد للتوازن المالي في لبنان. فما هي المخاطر وما هي البدائل المتوافرة؟
ما كانت المصارف اللبنانية لتقف صامدة في جه الظروف المحلية والاقليمية القاسية والمدمّرة من دون تلقّفها التحويلات المالية الخارجية الى لبنان.
هذه التحويلات التي ظلت المصدر الاول لارتفاع حجم الودائع المصرفية، ولها يعود الفضل في صمود ونمو هذا القطاع المصرفي في الدرجة الاولى، لتأتي بعده الادارة الحكيمة لمصرف لبنان المركزي والسياسات المصرفية المحافظة التي تركزت على الاصرار على الاحتفاظ بنسبة سيولة نقدية وجاهزة كبيرة جداً، فضلاً عن التنسيق واحترام التدابير التي أقرّها المصرف المركزي.
ولكن من أين تأتي هذه التحويلات في القسم الاكبر منها؟ وهل لهذه المصادر معوقات قد تجعلها تجفّ وتتراجع أحجام التحويلات ليغرق لبنان ومقوّمات صموده الرئيسية؟
انه التحدي الاكبر الذي يواجهه اللبنانيون وخصوصاً هؤلاء العاملون في منطقة الشرق الاوسط، وذلك في ظل تراجع السيولة من جرّاء تراجع اسعار النفط الكبير الذي يهدد بتغيير الخريطة المالية والتوازن الاقتصادي للدول التي تشكل المصادر المالية الحقيقية، وهي خصوصاً الدول المنتجة للنفط.
كما انّ اللبنانيين العاملين في اوروبا والولايات المتحدة الاميركية يعانون ايضاً من التباطؤ الاقتصادي في هاتين القارتين، وكذلك اللبنانيون العاملون في الدول الافريقية والذين يواجهون الاضطرابات الامنية والسياسية التي تطيح بين الوقت والآخر بثرواتهم المالية وبمصادر ايراداتهم الكبيرة التي تشكّل هي الاخرى مصادر مهمة للتحويلات المالية الى لبنان والتي تتجاوز السبعة مليارت دولار سنوياً.
انّ قدرَ كبير من الشباب المتخرّج من الجامعات اللبنانية هو الهجرة المؤقتة على الأقلّ الى مختلف القارات بهدف العمل في ظروف افضل وتحقيق ايرادات اكبر من تلك التي يمكن تحقيقها في الداخل اللبناني.
كما انّ الاقتصاد اللبناني لن يستطيع يوماً تلبية حاجات جميع الشباب اللبناني المتخرّج سنوياً من الجامعات والطامح لتحقيق مستقبل افضل. وسوف يبقى هؤلاء الشباب الوقود الحقيقي لمحركات الاقتصاد اللبناني على حساب المعاناة التي ترافق الهجرة والبحث وإيجاد النشاط المناسب والأفضل في دنيا الاغتراب.
لكن من دون ذلك وأقلّه في الجزء المرتبط بالشرق الاوسط، وتحديداً الدول المنتجة للنفط، وفي ظل تراجع اسعار النفط، والمتوقع ان يستمر طويلاً، صعوبات متزايدة.
فإنّ تراجع الاستثمارات الجديدة في هذه الدول في ظل تراجع إيراداتها المالية المرتبطة بتحركات اسعار النفط سوف يضيّق على فرَص عمل الشباب اللبناني. وما زالت ترد أخبار كثيرة عن فقدان متزايد لفرص العمل في هذه الدول للعمال والموظفين من مختلف الجنسيات.
امّا التعويض الذي يحققه لبنان من جرّاء تراجع الفاتورة النفطية السنوية، وعلى رغم تقليصه للعبء المالي السنوي، الّا انه لن يكون كافياً لإعادة التوازن الى التحويلات المالية السنوية الضرورية، والتي تمد الاقتصاد اللبناني والمصارف اللبنانية بمقوّمات الصمود والنموّ، والتي يعوّل عليها الكثير لتمويل الدين العام اللبناني وتوفير الاموال الكافية لملاقاة النفقات الحكومية السنوية، وخصوصاً على مستوى الاجور في القطاع العام وتسديد كلفة خدمة الدين المتزايدة مع مقاربة حجم الدين العام اللبناني الى 72 مليار دلاور اميركي. هذا الدين العام الذي لا تقلّ كلفة فوائده السنوية عن نحو الـ أربعة مليارات دولار كحد أدنى.
ويبقى العبء الاكبر والذي سوف يحتمل وزره الشباب اللبناني الذي سوف يواجه ظروف عمل صعبة على مستوى إيجاد الفرص المناسبة خارج لبنان وفي مختلف اصقاع العالم.
لأنّ الاقتصاد اللبناني المالي لن يكون يوماً مؤهلاً لاستيعاب جميع المتخرجين اللبنانيين أكان ذلك من الجامعات اللبنانية او من الجامعات الامنية المنتشرة في مختلف دول العالم. والشباب اللبناني يدرك هذه الحقيقة وهذا الواقع وهذا القدر، ويرى من خلاله الفرصة الوحيدة لتلبية طموحاته على رغم التحديات المتزايدة التي سوف تواجهه في لبنان والخارج.
لكن دون ذلك مخاطر من نوع آخر، وهي سدّ حاجات السوق اللبنانية الى الوظائف والمهن والاعمال المتفرقة التي يرفض اللبنانيون القيام بها. الأمر الذي سوف يتطلّب زيادة في العمالة الامنية على الاراضي اللبنانية مع ما ينتج عن ذلك من خروج الاموال في الاتجاه المعاكس.
ويعوّل البعض على الثروة النفطية التي يتوقع ان تشكّل الرافعة الاقتصادية الجديدة للبنان للتعويض قليلاً عن تراجع التحويلات المالية الخارجية إليه، ولتوفير فرَص عمل لعشرات آلاف اللبنانيين. لكن دون ذلك سنوات كثيرة ومقومات أمنية وسياسية وإدارية على رغم الاتفاق النفطي الذي تحقّق مؤخراً وشَكّل اندفاعة ديناميكية نحو دخول لبنان الى خارطة الدول المنتجة للنفط والغاز.
ويبقى للشباب اللبناني قطاع المعرفة الذي يستطيع استيعاب عدد كبير منهم، وتوفير فرص لتلبية طموحاتهم للابداع وتحقيق الايرادات المالية الكبيرة. وهذا القطاع الجديد، والمعوّل عليه كثيراً، لاقى اهتماماً كبيراً لدى مصرف لبنان المركزي، والذي أبدى التزامه في دعم الانطلاقات الشبابية الجديدة.