تتزاحم الملفات التفجيرية على احتلال صدارة الاخبار هذه الايام، اذ لا يكد ملف ان يغلق حتى يفتح آخر، لا يقل اهمية وحساسية، مشرعا الابواب على جولة سجالية جديدة لا تخلو من الحدة الطائفية والمذهبية، طارحة كل مرة التساؤلات حول اهداف وتوقيت التفجير، راسمة علامات الاستفهام حول الجهات المستفيدة، واطارها في الصراع الداخلي.
فالفتنة المذهبية التي نجحت البلاد في تخطيها اكثر من مرة طوال السنوات الماضية وحتى الساعة، واضعة في كل جولة حوار المستقبل – حزب الله في دائرة الخطر، استفاقت هذه المرة من جديد من سجن رومية، التي على ما يبدو لا تزال ناره مستعرة تحت رماد انجازات وزير الداخلية في تحرير «الامارة»، والذي حاول ترطيب كلام زميله في العدل اللواء اشرف ريفي الذي اتهم حزب الله بتسريب الافلام، استنادا الى ميول احد الموقوفين الذي صور الفيلم – الفضيحة، مؤكدا ان لا معلومات دقيقة عن مصدر التسريب.
مفاعيل التسريب التي طالت ملف العسكريين الاسرى، الذي يكاد لا يسلم من اي واقعة تتصل بملف سجن رومية، دافعة باللجنة الوزارية الى الانعقاد تحت ضغط تهديد «داعش» الجاد هذه المرة، فتح الباب على الأهداف غير المعلومة وغير الواضحة، التي تقف وراء تسريب فيلم عن عملية تعذيب حصلت منذ حوالى 3 أشهر، رامية الى الواجهة كرة نار، تعتقد مصادر في 14 آذار ان نتيجة الفيلم السياسي بأدوات امنية، قد تكون كافية لاحراق الخطوات التي ينوي رئيس الحكومة القيام بها على صعيد الشلل الحكومي، وهو ما اكد عليه بكل الاحوال الرئيس ميشال سليمان من السراي، اذا ما اضيف اليها التركيز الاعلامي على «صراع البيت الواحد» بين ريفي والمشنوق، والذي تجلت احدى اوجهه في الحركة التي تشهدها الشوارع منذ الاحد بعد صلوات التراويح والتي بينت خروج قواعد المستقبل عن الانضباط الحزبي، وتولي الجماعات الاسلامية الامرة.
من هنا تتوقف المصادر امام اشارات لافتة ميزت الاحداث خلال الساعات الماضية، معتبرة ان الأمر يحمل في طياته محاولة لدفع الشارع السنّي الى انفجار يبين المستقبل في صورة غير القادر على ضبط مؤيديه، وبوصفه يغطّي الارتكابات بحق الإسلاميين وأحدهم شيخ معمم (عمر الأطرش) بغض النظر عن التهم الموجهة اليهم، وسط المخاوف من ان يكون بث الأشرطة مرتبطاً بما تم تداوُله عن توترات أمنيّة قد تشهدها طرابلس وبعض المناطق السنّية الأخرى مع بداية شهر رمضان المبارك، وفي المحاولة الفاشلة لاستعادة الواقع الذي كان قائما في السجن، خاصة مع عدم تواني البعض عن وضع ما حصل في سياق الرد على تأجيل تسريح المدير العام لقوى الامن الداخلي اللواء إبراهيم بصبوص.
امور استشرف فيها تيار المستقبل بحسب مصادره استهدافا مباشرا للمشنوق من قبل الجماعات الاسلامية السنية خصوصا، مع ازدحام مواقع التواصل بالرسائل والتغريدات الشديدة اللهجة ضده، ما استدعى تدخل الرئيس سعد الحريري شخصيا، واجرائه اتصالات سريعة بقيادات المستقبل، سرب البعض انها قد تصل الى حدود استدعاء الكوادر الاساسية الى السعودية لبحث المستجدات الطارئة، وسط وجهة نظر تتحدث عن استهداف ممنهج «للسنة» سواء مع تسريبات «ويكيليكس» ام مع محاولات ضرب «المستقبل من الداخل واظهار ما حصل في رومية على انه تصفية حساب بين الجناح الشمالي والجناح البيروتي في التيار، بانتظار ان يحسم الجناح الصيداوي المتمثل بالرئيس السنيورة موقفه، فضلا عن دخول مفتي الجمهورية الشيخ عبداللطيف دريان على الخط، مطالبا الجماعات الدينية والعلماء بضبط النفس والشارع والامتناع عن اصدار بيانات والاكتفاء بما سيصدر عن دار الفتوى.
كثيرة هي الأسئلة، إذ ليس مصادفة أن يتم هذا التسريب بالشكل والتوقيت الذي شهدناه من دون أن تكون ثمة رسالة لها أبعاد تريد ادخال لبنان عين العاصفة للابتزاز في ملفات اخرى. وحده وزير الداخلية، الذي يعاني من أصعب اختبار يمر عليه، متكئا على العلاقة التي نسجها مع فريق 8 آذار وعلى رأسه حزب الله، وهو ما انعكس سلبا عليه، في لعبة سياسية أمنية قد تكون نتائجها وخيمة، وان كان قد نجح بمحاصرة التداعيات والالتفاف على ما حصل، يملك الجزء الاكبر من الاجابات، مدركا بالتاكيد مضمون الرسالة التي وصلته والتي لم تكن عادية.