IMLebanon

هل تستدعي «المحكمة الخاصة» نائباً حالياً كمشتبه به؟

لبنان ينفق على القضاء الدولي أكثر من محاكمه

هل تستدعي «المحكمة الخاصة» نائباً حالياً كمشتبه به؟

تستأنف المحكمة الخاصة بلبنان جلساتها في الثامن من الشهر المقبل وبوتيرةٍ مكثفة، في سياق تحديد «الاطار السياسي» لجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري في الرابع عشر من شباط 2005.

واللافت للانتباه بعد نحو عام على بدء المحاكمات، ان الادعاء في المحكمة مرتبك إلى حد كبير، فالأدلّة الجنائية تهاوت أو تكاد بفعل الأستجوابات المضادة من قبل فرق الدفاع، ولم يبق أمام الادّعاء سوى نظرية المؤامرة السياسية الافتراضية، أما دليلُ الاتصالات الظرفي، فقد تعرّض لاهتزازٍ جزئي في ضوء ما أظهرته وقائع استجواب النائب مروان حمادة، وما كشف عنه الدفاع لجهة استخدام خطه الشخصي بصورة غير شرعية من قبل مجهولين، واعترافه بذلك في معرض التواصل مع أحد أعضاء الشبكة المتهمة في قضية الحريري.

دليل الاتصالات أيضا سيقود المحكمة في العام 2015 لتوسيع بيكار المتهمين من خلال ضم أحد النواب الحاليين اليهم.

ومن المتوقع أن يحفل العام 2015 بمحطات استثنائية في كِلتا القضيتين اللتين تشغلان غرفة المحكمة الابتدائية والاستئنافية، في المحكمة الخاصة بلبنان، وهما قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري وقضية «التحقير» المتفرّعة عنها والتي ادعى بموجبها رئيس المحكمة القاضي دايفيد باراغوانث على مؤسستي «تلفزيون الجديد» وصحيفة «الأخبار» وعلى الزميلة كرمى الخياط والزميل إبراهيم الأمين بتاريخ 25 نيسان 2014.

لقد تعمّدت رئاسة المحكمة، عن سابق تصوّر وتصميم، ان تضع العدالة في وجه الحرية وتعاملت مع الإعلام اللبناني وفق المنطق نفسه الذي يحكم رؤيتها للقضاء اللبناني. وقد سجلت رئاسة المحكمة سابقة في تاريخ عمل المحاكم الجنائية الدولية من خلال الادعاء بجرم التحقير على الشركات (الشخصيات المعنوية) وبرغم رفض القاضي الناظر بقضايا التحقير الإيطالي نيكولا لتييري أي توسيع لصلاحيات المحكمة بما يخالف قواعد الإجراءات والإثبات، وتبني القاضي اللبناني وليد العاكوم هذا الموقف، فان رئاسة المحكمة ولجنة الاستئناف، أصرتا على التفسير المخالف، وأبقتا سيفها مصلتا على الشركات والإعلام معاً.

سنة على المحاكمات

وبحلول 16 كانون الثاني 2015، تكون المحاكمات في قضية الحريري قد انهت عامها الأوّل، وسبقتها سنوات أربع على بدء عمل المحكمة وعشر سنوات على وقوع الجريمة.

ومع اكتمال السنة الأولى، يكون الادّعاء قد أنهى المرحلة الأولى من مراحل المحاكمات الثلاث.

المرحلة الأولى هي توصيف مشهد الجريمة والوقائع المتصلة بيوم 14 شباط 2005 والفترة التي تلت الانفجار والتي تشمل ملف التحقيقات اللبنانية وعمل «لجنة تقصي الحقائق» و»لجنة التحقيق الدولية المستقلة».

المرحلة الثانية (الحالية)، وهي تقديم الشهود تحت عنوان تأكيد نظرية المؤامرة السياسية وعلاقة المناخ السياسي المتأزم آنذاك بعملية الاغتيال، «بعد ان ثبت لدى الادعاء ان لا دوافع شخصية للمتهمين».

المرحلة الثالثة هي التي سيحاول خلالها الادّعاء الكشف عن أدلّة الاتصالات الظرفية بعد ان تبين انه لا يملك اي دليل مادي آخر، كما سيحاول ان يربط المتهمين بوقائع تستند إلى مبدأ التزامن المكاني.

في الثامن من كانون الثاني 2015، تستكمل غرفة الدرجة الأولى الاستماع لشهود «الإطار السياسي»، فتستقبل قاعة المحاكمات عددا من السياسيين اللبنانيين بينهم رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة والنائب وليد جنبلاط والنواب السابقين غطاس خوري، باسم السبع وسليم دياب، فضلاً عن الزميل مصطفى ناصر الذي تولى على مدى ربع قرن مهمة التواصل بين رفيق الحريري وقيادة «حزب الله» وهي المهمة التي أكملها لاحقا مع سعد الحريري لفترة زمنية معينة (خمس سنوات)، قبل أن يحصل «خلل موضعي» في العلاقة بين ناصر وزعيم «المستقبل».

وتستقبل قاعات المحكمة في لايسندام وفي مبنى المونتيفردي في جبل لبنان، شخصيات أخرى بينها المستشار الإعلامي لرفيق الحريري ثم سعد الحريري الزميل هاني حمود، الزميل فيصل سلمان، الزميل علي حمادة.

ومع هؤلاء الشهود الجدد وغيرهم، يكون قد أدلى أمام غرفة البداية نحو أربعين شاهداً بشهاداتهم وقبلت الغرفة نحو 470 بيّنة بوصفها أدلّة.

ومن المتوقع ان يستغرق استجواب شهود الإطار السياسي للجريمة النصف الأول من عام 2015 على ان يتبع ذلك الاستجواب المضاد من قبل فرق الدفاع.

وتُشيرُ المعطيات إلى ان العام المقبل سيشهد أيضاً قراراً اتهامياً جديداً وموحّداً بقضية محاولة اغتيال النائب مروان حمادة ومحاولة اغتيال الوزير السابق الياس المر واغتيال الأمين العام للحزب الشيوعي السابق جورج حاوي. وتقول أوساط متابعة ان القرار الاتهامي سيستند بصورةٍ أساسية إلى بعض المعطيات السياسية والى عنصر التهديدات المباشرة التي يقول «الادّعاء» انه تثبّت منها بواسطة إفادات عدد من الشهود الذين واكبوا مروان حمادة، الياس المر وجورج حاوي في تلك الحقبة، فضلاً عن وجود شبهات وأدلّة ظرفية ترتبط بشبكة الهاتف الخلوي أيضاً، وان بعض المشتبه فيهم هم من المتهمين الخمسة الذين ارتبطت اسماؤهم بالقضية الأساس.

متهم سادس

وسيحمل العام 2015، إضافة اسم جديد الى لائحة المتهمين بتنفيذ جريمة الحريري من أصل 13 شخصاً يعتقد المدعي العام ان لهم علاقة بها.

وقد أورد تصنيف هؤلاء في قراره الاتهامي تحت مسميات -S5-S6-S7-S8-S9-S10-S11-S12-S13-S14-S18-S19-S23 بالاضافة الى ثلاثة مشتبه فيهم مجهولي الهوية.

وعُلم ان رقماً هاتفياً يعود لأحد النواب الحاليين في «كتلة الوفاء للمقاومة» قد أجرى اتصالاً بخط من الخطوط المستخدمة لدى المتهمين الـ13، ولم يُعرف ما إذا كان المدّعي العام قد قرر استدعاء النائب المذكور للإدلاء بشهادته أو لتضمين اسمه اللوائح الاتهامية الجديدة.

يذكر ان المدعي العام، تمهّل في تقديم طلب الضم، بصورة نهائية إلى قاضي الإجراءات التمهيدية لدى المحكمة خوفاً من ردّه كما حصل في المرة الأولى.

ومن الأسباب غير المعلنة للاستمهال ان رئيس المحكمة القاضي باراغوانث تمنى على المدّعي العام نورمان فاريل ألاّ يقدّم طلب الاتهام الجديد هذا العام (2014)، «لأن ذلك سيؤخر الإجراءات التي بدأت وسيعيق المسار العام المرسوم».

تمويل «المحكمة» ليس عملية تقنية فحسب، بل هو وجه من أوجه الالتزام اللبناني بموجبات الاتفاقية مع الأمم المتحدة التي قضت بأن يساهم لبنان بنسبة 49 بالمئة من إجمالي الموازنات السنوية للمحكمة.

لقد بلغ ما سدده لبنان لمصلحة المحكمة منذ العام 2009 //183,132,142$// موزعة وفق الجدول المرفق، تضاف إليها المبالغ التي دفعها لبنان كنفقات لعمل لجنة «تقصي الحقائق» ولجنة «التحقيق الدولية» والتي بلغت نحو 63,3 مليون دولار ليصبح الإجمالي نحو: 246,432,142$.

ويكفي ان ندرك ان لبنان أنفق على محاكمه الإدارية والمدنية كافة منذ العام 2009 ولغاية العام 2014 نحو 245,3 مليون دولار أميركي، أي ما يعادل ما دفعه لبنان حتى الآن كلفة التحقيقات والمساهمات في المحكمة الخاصة.

المتابعة القانونية

على ان الرقابة القانونية تبقى هي الأهم، والأكثر إلحاحاً، فمنذ ان نام اقتراح رئيس مجلس شورى الدولة شكري صادر في أدراج وزير العدل السابق شارل رزق والقاضي «بإمكان إنشاء لجنة قانونية في وزارة العدل لمتابعة إجراءات المحكمة والتأكد من مطابقتها النظام الأساسي والاتفاقات المشتركة»، لم يعد للبنان الرسمي اي دور في متابعة إجراءات المحكمة، إلا بمقدار ما تعمل عليه المحكمة نفسها ضمن برامجها التسويقية والدعائية.

وفي ظل الغياب المتعمّد لنقابة المحامين وتحوّل القضاء اللبناني إلى مجرد صندوق بريد بين هيئات المحكمة والسلطة الرسمية اللبنانية وسائر مؤسسات القطاعين العام والخاص، تبدو «المحكمة» أشبه بدولة داخل الدولة، ولا همّ لدى نقابة المحامين سوى البحث مع رئاسة المحكمة في سبل زيادة عدد الموظفين اللبنانيين في المحكمة، فيما نائب رئيس المحكمة القاضي رالف رياشي يتماهى مع فريق سياسي لبناني في نعيه القضاء اللبناني كمبررٍ للحاجة إلى العدالة الدولية.

ويقول رياشي في ندوة عقدت في «بيت المحامي» في 27 آذار الماضي، تعليقا على مبدأ العدالة الانتقالية: «ان لبنان لا يمر في ظروف عدالة انتقالية أصلاً لعدم وجود دولة في الأساس».