Site icon IMLebanon

هل تبادر السعودية.. مرّة أخرى؟

هل يستطيع لبنان، الرسمي والشعبي، تحمّل تداعيات انهيار علاقاته التاريخية مع المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي؟

هل نسي وزير الخارجية وتياره السياسي أن أكثر من نصف مليون لبناني يعيشون ويعملون في السعودية والدول الخليجية، ويرفدون الاقتصاد الوطني بتحويلاتهم المنتظمة، والتي تتجاوز السبعة مليارات دولار سنوياً؟

ماذا تُفيد «شطارة» الخارجين عن الإجماع العربي، في حال تمّ سحب الودائع الخليجية من المصارف اللبنانية، وأوقف رجال الأعمال الخليجيون استثماراتهم في لبنان؟

إلى متى يجوز السكوت عن محاولات إخراج البلد من عباءته العربية، وإلباسه الشادور الإيراني؟

إنها أخطار حقيقية، ولم تعد مجرّد تساؤلات، تُهدّد، ليس العلاقات الأخوية والتاريخية مع الأشقاء الخليجيين وحسب، بل وتعرِّض مصالح لبنان، والأكثرية الساحقة من اللبنانيين لانهيار حتمي، في حال استمر مسار الأزمة مع السعودية على تفاقمه التصاعدي، بسبب مواقف غير مسؤولة من بعض الأطراف السياسية والحزبية، ونتيجة تصرفات صبيانية متهورة، لا تدرك رمزية العلاقات الأخوية وأهميتها، في تحصين الوضع اللبناني!

المشكلة أن الانقسامات والخلافات اللبنانية لم تعد محصورة في البازارات السياسية الداخلية، بل بدأت تحاصر دور لبنان ومكانته العربية، وأصبحت تشكّل تهديداً جدياً لموقع لبنان العربي الحضاري، الثقافي والاجتماعي، والذي كان دائماً محور جذب للمحيط العربي، مع كل ما تعنيه هذه الحركة من استثمارات اقتصادية وتدفقات مالية ساهمت، وإلى حدّ بعيد، في تكوين البنية الاقتصادية للبلد، وتحقيق ما كان يسمى «المعجزة اللبنانية».

* * *

الواقع أن الإجراءات الحكومية والأمنية الأخيرة من شأنها أن تساعد على تأكيد الإرادة الحديدية للبنان الرسمي والشعبي، في الحفاظ على أفضل العلاقات مع الأشقاء الخليجيين، وخاصة المملكة العربية السعودية، والتصدي لكل من يحاول التعرّض للروابط الأخوية مع الدول الخليجية، ومنها على سبيل المثال لا الحصر:

1 – المسارعة إلى توقيف المشتبه بهم في اقتحام مكاتب جريدة «الشرق الأوسط»، بعد تحرك القضاء والأجهزة الأمنية المعنية، يعني أن ثمة حرصاً لبنانياً قاطعاً على عدم السماح لعناصر الشغب بالإساءة إلى المصالح السعودية والخليجية في لبنان.

لا شك في أن الكاريكاتير المسيء للبنان كان خطأ سمجاً، سارعت إدارة الجريدة إلى تداركه عبر سحبه من الموقع الألكتروني، علماً أنه كان من الممكن إبقاء الاعتراض على مثل هذا الكاريكاتير الخاطئ، عبر أساليب أكثر حضارية، وتنسجم مع مكانة بيروت، عاصمة الحرية والصحافة العربية.

2 – اتخاذ التدابير الفورية لإزالة اليافطات المسيئة للمملكة العربية السعودية في أوتوستراد انطلياس، وتوقيف المشتبه به الرئيسي بتعليقها، يُؤكّد جدية اللبنانيين في التصدّي لكل من يحاول الإساءة للمملكة، وللعلاقات الوثيقة التي تربط الشعبين الشقيقين.

3 – مبادرات رئيس الحكومة ووزراء ونواب وقوى سياسية، من مختلف الألوان الطائفية، إلى إعلان إدانتها واستنكارها لكل ما يُسيء للسعودية، مليكاً وقيادة وشعباً، وإعلان تضامنها مع الرياض في تصدّيها للمشروع الإيراني في المنطقة العربية.

وبلغت حركة التضامن اللبناني الواسع مع المملكة ذروتها في زيارات الوفود السياسية والنيابية، والحشود الشعبية من مختلف المناطق إلى السفارة السعودية في بيروت، حيث كان البث المباشر للفضائيات اللبنانية والسعودية، يوثق بالصوت والصورة، مواقف التضامن والتأييد من الأكثرية الساحقة من اللبنانيين.

* * *

ولكن كل هذه الجهود اللبنانية الجادة والمخلصة، لا تعطي ثمارها المنشودة في تبريد التوتر، وإعادة العلاقات اللبنانية – الخليجية إلى سابق عهدها، من الانسجام والاحترام، إذا لم تقابل بمزيد من التفهم الخليجي للواقع السياسي الراهن، بمختلف تعقيداته وتشابكاته!

والقيادة السعودية، وعلى رأسها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، على دراية تامة بتفاصيل وخلفيات الوضع السياسي في لبنان، ومعا يعانيه من خلل فادح، انعكس سلباً على مشروع الدولة ودورها، ومن نتائجه الفاضحة هذا الشغور المعيب في رئاسة الجمهورية، فضلاً عن الشلل الحاصل في مجلس النواب، والعجز المتزايد في أداء الحكومة.

والأخوة الخليجيون، وفي مقدمتهم أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد، يُدركون جيداً حساسيات التركيبة الطائفية وتوازناتها الدقيقة في لبنان. ويعرفون أن أي اهتزاز في المعادلة الداخلية، يعرض البلد لحالة من عدم الاستقرار، كما هو حاصل حالياً، ويفتح أبواب الأزمات على مصراعيها!

ولا يُخفى على الأشقاء الخليجيين حجم الاختراق الذي حققته إيران في الجسد اللبناني، في إطار مشروعها التوسعي في المنطقة، الأمر الذي يتطلب وضع استراتيجية عربية حازمة لإعادة لبنان إلى التوازن الداخلي الوطني المنشود، وتحصينه أمام الاختراقات الإيرانية، مهما تعددت مداخيلها أو تسمياتها.

* * *

بالأمس، أنقذت السعودية الشقيق الصغير من حروبه عبر اتفاق الطائف… فهل تبادر اليوم إلى إنقاذه من الضياع، والحفاظ على عروبته؟