Site icon IMLebanon

هل يُحرِّك “حرس” إيران ما حرّك جيش مصر؟

علّق وزير الخارجية الأميركي في الزميلة “الحياة” أمس على عودة النبرة العدائية للمرشد والولي الفقيه آية الله علي خامنئي حيال أميركا، وعلى تأكيده “أن ايران ستبقى في حال حرب معها”، قال: “لا أعرف كيف أقرأ هذه التصريحات في مرحلة ما بعد توقيع “الاتفاق النووي” سوى أن آخذها كما هي. أنا أُدرك أن التصريحات العلنية تختلف أحياناً عن الواقع”. أثار تعليقه انزعاج ادارة الرئيس باراك أوباما من هذين الكلام والنبرة، هي التي كانت بدأت تستعد للانطلاق في مسيرة اعادة العلاقة مع طهران بعد36 سنة قطيعة. ولم يخفِّف الانزعاج ايحاء البعض باحتمال اختلاف الموقف الجديد لخامنئي عن مواقفه السابقة للاتفاق والممهِّدة له.

ما هي أسباب عودة الولي الفقيه الى مواقفه السابقة على رغم الاشارات الايجابية الواضحة التي أطلقها ابان المفاوضات، والتي مكّنت الوفد الايراني المفاوض من الصمود أولاً في وجه صقور المجموعة الدولية 5+1، وثانياً في وجه صقور ايران أي المحافظين البالغي التشدُّد فيها؟

لا أحد يمتلك معلومات دقيقة عن الأسباب على الأقل الآن. لكن المتابعين للوضع الايراني من عرب وأجانب وتحديداً غربيين يعطون نوعين متناقضين من الأسباب. يفيد الأول أن مصلحة ايران تقضي بالابتعاد عن اظهار “الاغتباط” الرسمي بالاتفاق على رغم اعتبار قادتها واعلامها اياه انتصاراً على أعدائها كلهم. وتقضي باظهار شكوك وبالايحاء بوجود اختلاف على نصوص معينة فيه. ذلك أنه يواجه معارضة شرسة داخل الولايات المتحدة وتحديداً من الغالبية الجمهورية في مجلسي الكونغرس، كما من عدد من نواب الحزب الديموقراطي وشيوخه. هذا فضلاً عن بعض الاعلام وجماعات الضغط اليهودي. ويواجه أيضاً معارضة شرسة ومباشرة من اسرائيل الحليف الاستراتيجي الأول لأميركا في الشرق الأوسط. وهي ذات تأثير وازن أميركياً. كما يواجه أخيراً معارضة شرسة وان مُغلّفة بموافقة عليه مرفقة بشروط عدة من الحلفاء العرب لأميركا الذين تشكِّل دولهم الغالبية في العالم العربي. وفي ظل أجواء كهذه على ايران أن تحتاط كي لا تبدو متهالكة على الاتفاق ولواحقه مستقبلاً، ومنها العلاقة التطبيعية مع واشنطن، وخصوصاً اذا نجح أعداؤه الأميركيون في احباطه على قلة حظوظ ذلك. وفي هذا الاطار يضع المقتنعون بالنوع الأول من الأسباب المواقف السلبية لقائدي “الحرس الثوري” ثم “الباسيج” من الاتفاق جرّاء “تجاوز مفاوضو ايران خطوطاً حمراً وضعها خامنئي”. وهي مواقف لم تمنع وزير الخارجية ظريف، رئيس الوفد المفاوض، من الدفاع عن الاتفاق بشراسة في مجلس الشورى. أما النوع الثاني من الأسباب فيفيد عن وجود معارضة جدّية داخل النظام الايراني للاتفاق النووي، وتالياً من التفاهم مع أميركا والتحوُّل شريكاً حقيقياً لها في المنطقة، الأمر الذي قد يؤذيه في الصميم. وهؤلاء موجودون في أوساط عُلمائية نافذة وفي أوساط عسكرية وأمنية أكثر نفاذاً، بدليل اعتراض قائدي “الحرس” و”الباسيج” على الاتفاق.

أي نوع من الاثنين المفصّلين أعلاه أقرب الى الحقيقة والواقع؟

لا يمتلك الآن أحد معطيات تسمح باعطاء جواب نهائي. لكن متابعين غربيين وأميركيين للأوضاع في المنطقة يخشون أن يتكرّر في ايران ما حصل في مصر وان في طريقة مختلفة. فالجيش المصري هو، الى كونه حامي البلاد من خارج ومن داخل، مسؤول عن مؤسسات اقتصادية وصناعية وسياحية متنوعة، يبلغ حجمها ثلث الاقتصاد في مصر. وتحرُّكه الداعم للثورة الشعبية في 30 يونيو قبل أكثر من سنتين كان له سببان هما: رفض غالبية الشعب “أخونة” الدولة والمؤسسات و”الدق” بالجيش على نحو يهدِّد مكتسباته ودوره الاقتصادي وتالياً دوره الوطني. ففي ايران دور “الحرس الثوري” في الاقتصاد وعلى تنوّعه كبير جداً. وتشريع الاتفاق النووي أبوابها أمام الاستثمارات الآسيوية والغربية والأميركية يضعف هذا الدور ويهدِّد في الوقت نفسه بادخال تغيير متدرِّج على النظام. لكن السؤال: هل يقوم بحركة اعتراضية علنية تُحبط الاتفاق؟ والجواب هو أن ذلك احتمال صعب، لأن الولي الفقيه ونائب الامام المعصوم هو صاحب الكلمة الأولى والأخيرة، ولأن “العسكر” الايراني يتبع له بل يخضع له ايماناً منه بالنظام القائم وشرعيته الدينية ودستوره المُستنِد إليها. فضلاً عن أن أحداً لم “يدق” به حتى الآن. لكن في النهاية لا أحد يمتلك جواباً نهائياً.