IMLebanon

هل سيسبح في بنشعي رئيس؟

فقط من يفهم جيداً الآليات الأكثر عمقاً للنظام اللبناني، كان له نصيب أقل من المفاجأة إزاء التبني الواسع لترشيح رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية لكرسي رئاسة الجمهورية. أما مَن صدّق تظاهرتي الثامن والرابع عشر من آذار 2005 بوصفهما تاريخين مؤسسين للاصطفاف السياسي في لبنان خلال العقد الأخير، فكان له نصيب وافر من الدهشة.

ما حدث أشار بوضوح إلى أن النظام اللبناني، الذي يخترق أركانه برشاقة الأسبوع الآذاري المؤسس، أطلّ برأسه متناسياً المصفوفات اللامتناهية من الشعارات واللاءات. وأكثر تحديداً، نزلت عائلة الحريري بمجملها على الأرض لتسويق الخيار وتغليب تبنيه على حساب المنطق الأكثر بداهة للقواعد الشعبية لـ «14 آذار»، والذي يجزم، ببراءة، بأرجحية تبني ترشيح العماد ميشال عون للرئاسة (هذا مع التسليم بأن الرئاسة هي من حصة قوى «8 آذار»)، لكون الأخير يشكل تقاطعاً من نوع ما بين تموضع سياسي حالي لا يروق لهم، وماضٍ نضالي يقع في عمق نوستالجيا «14 آذار». في المقابل، لم يتوقف النائب سليمان فرنجية عن مجاهرته بصداقته الشخصية للرئيس السوري بشار الأسد حتى في أكثر الظروف حراجة. بالطبع، يفوت هذا المنطق البريء حقيقة أن النائب فرنجية هو ابن شرعي للنظام اللبناني، بينما يأتي العماد عون من خارج النادي التقليدي، وهو لم يتوقف البتة عن التسبب بالصداع لأركان هذا النظام. وربما يقوم البعض بإعداد تصوّر لسيناريو رئاسي بإسقاط تجربة العماد عون وتياره السياسي خلال العقد الأخير على ست سنوات عونية رئاسية متخيّلة. والصور غير الكلاسيكية التي عبرت مخيلتك الآن وأنت تقرأ هذا السيناريو العوني هو ما تم حسبانه بدقة على دفاتر القائمين على النظام اللبناني. يبقى أن وقع الصور غير الكلاسيكية كان مضاعفاً عليهم من دون شك، لكونهم مشاركين، وليسوا مجرد قارئين لسيناريو.

ما سبق لا ينفي جدية الاصطفاف السياسي اللبناني المعلن، وتشكل الأزمة السورية والمواقف إزاءها أكثر الأمثلة تعبيراً عن ذلك. لكنه في المقابل ينزع عن هذه التموضعات والرؤى بخصوص المسائل الإقليمية صفة المقرّر الأساس لأجندة القوى السياسية المحلية، ويميط اللثام عن حقائق صلبة تشترك فيها قوى سياسية لبنانية تقع على ضفتي الانقسام اللبناني العمودي.

ما حدث يشكل «دورة سياسية مكثّفة» للمراقبين في فهم الديناميات التكتونية التي تعتري كواليس السياسة اللبنانية، وهي فرصة لمّ شمل نادرة بطبيعة الحال لأرباب النظام اللبناني، ستسمح، إن تم استغلالها بحكمة، لمعارضي «التركيبة» بتعريف أنفسهم كنقيض للشمل الآنف الذكر.

في هذه الأثناء، فإن «حزب الله»، الصامت الأكبر هذه الأيام، يحاول أن يتعامل مع حرج محدود في جبهته السياسية ويسترق النظر مبتسماً إلى الماكينة الإعلامية لـ «تيار المستقبل» وهي تسبح عكس التيار، وتستميت في محاولة تسويق رئيسٍ من بنشعي. ربما سيسبح فعلاً رئيس في بحيرة بنشعي. ولكن هذا ليس السؤال الأهم الذي يجري الهمس به بتواتر هذه الأيام. فماذا عن بنود الصفقة المضمَرة؟ ماذا عن قانون الانتخاب؟ ومَن سيسكن السرايا لاحقاً؟