مبادرة برّي الجديدة بين ترحيب فريق 8 آذار وتحفّظ 14 آذار
هل تتحوّل طاولة الحوار إلى مؤتمر تأسيسي بديل عن الحكومة والمجلس النيابي؟
«لا تستبعد مصادر نيابية أن يكون الرئيس برّي نسّق مبادرته الجديدة مع حزب الله، لكنها لا تحمّله مسؤولية ما آلت إليه أوضاع النظام»
رحّل رئيس طاولة الحوار نبيه برّي الملفات الخلافية من إنتخاب رئيس للبلاد، ووضع قانون للإنتخابات النيابية، والوضع الحكومي المتنازع أيضاً على الصلاحيات في ظل الشغور الرئاسي إلى شهر آب المقبل في الثاني والثالث والرابع منه على أن تبحث كل هذه الملفات كسلّة واحدة وليس بالمفرّق كما كان البحث جارٍ على الطاولة منذ أول جلسة عقدتها منذ إنشائها قبل حوالى العامين، وفيما اعتبرت أوساط قوى الثامن من آذار أن مبادرة الرئيس برّي الجديدة المتعلقة ببحث الملفات المتنازع عليها سلّة واحدة إيجابية ويمكن البناء عليها بعدما استنفدت مناقشات هيئة الحوار كل الوسائل للوصول إلى نتائج تُنهي هذا الصراع الدائر بين القوى السياسية حول أزمة الشغور في رئاسة الجمهورية وإعادة تكوين السلطة عبر قانون إنتخابي جديد يحقق التمثيل الصحيح ويصحّح الخلل القائم في النظام السياسي، والذي كان من نتائجه المباشرة إستحالة عقد جلسة لمجلس النواب لملء هذا الشغور، رأت مصادر نيابية في قوى الرابع عشر من آذار أو ما تبقى منها في مبادرة الرئيس برّي قنبلة قابلة لتفجّر الصراع بين القوى السياسية كافة حول النظام السياسي برمّته، ووصفت مبادرة رئيس المجلس بالخطيرة، ذلك لأنها تشكّل إيحاءً واضحاً بتحويل هذه الهيئة إلى مؤتمر تأسيسي بعدما حلّت محلّ الحكومة التي تشكّل السلطتين الاجرائية والتنفيذية ومحلّ المجلس النيابي الذي يمثل حزب النظام السياسي المعمول به في السلطة التشريعية مما يجعل هذا الطرح يصبّ في مصلحة حزب الله الذي دعا أمينه العام غداة الشغور في رئاسة الجمهورية إلى إتفاق حول الملفات الخلافية من الانتخابات الرئاسية وصلاحيات الرئيس إلى الحكومة وصلاحيات رئيسها إلى المجلس النيابي يكون في سلّة واحدة، الأمر الذي أثار مخاوف فريق واسع من اللبنانيين وتولّت قوى الرابع عشر من آذار مجتمعة رفض هذا الاقتراح أو المبادرة التي طرحها أمين عام حزب الله لأنها تشكّل المفتاح الذي يفتش عنه الحزب لإعادة النظر في النظام السياسي المتفق عليه في مؤتمر الطائف للوصول إلى نظام سياسي جديد يقوم على المثالثة من جهة، وعلى تقليص صلاحيات رئيس الحكومة التي أصبحت مطلباً علنياً لحزب الله لم يتردّد أمينه العام في التعبير عنه في عدّة مناسبات إضافة إلى المناسبة التي طرح فيها موضوع السلّة الواحدة، بعدما اشتدّ النقاش حول النزاع الدستوري في شأن جلسات مجلس النواب وعندما اتّهمت قوى الرابع عشر من آذار الحزب وحلفاءه بتعطيل الانتخابات الرئاسية لتفريغ الدولة من كل مؤسساتها الدستورية من حكومة ومجلس نواب وإعادة البحث في كل هذه الأمور والملفات على أساس السلّة الواحدة.
ومن هنا تعتبر المصادر النيابية في قوى 14 آذار أنها لا تستبعد أن يكون رئيس مجلس النواب نسّق مع قيادة حزب الله قبل أن يطرح مبادرته الجديدة في جلسة الحوار الوطني الأخيرة، ويحدّد لها أيام 2 و3 و4 آب المقبل موعداً لمناقشتها والبتّ فيها الأمر الذي من شأنه أن يُعيد إحياء الهواجس عند فريق الرابع عشر من آذار من أن يكون الهدف الأساسي من طرحه لهذه المبادرة ليس تسهيل الحوار للوصول إلى إنهاء النزاع حول هذه الملفات بل من أجل تحويل هيئة الحوار إلى هيئة تأسيسية تتولى البحث في النظام السياسي القائم وما إذا كان لا يزال قابلاً للحياة في ظل عجزه عن حسم ملف الشغور في رئاسة الجمهورية وتفشّي الفراغ في باقي مؤسسات الدولة من حكومة عاجزة ومشلولة كما وصفها رئيسها تمام سلام قبل أقل من ثلاثة أيام إلى مجلس نيابي لا يجتمع إلا نادراً إن لم يكن مستحيلاً.
وليس صدفة أن يأتي اقتراح الرئيس برّي بعد ارتفاع الأصوات المنادية بالتغيير وبعدما وصلت الأمور إلى حدّ انعدام أمل اللبنانيين بما تبقى من هذا النظام وفق ما عبّر عنه أيضاً رئيس الحكومة وعزا الأسباب الحقيقية التي أوصلت إلى هذا المنحدر إلى الكثير من رجال السياسة الذين فقدوا القدرة على التمييز بين السياسة الوطنية النبيلة وبين الممارسات الضيّقة الأفق التي لا ترى إلا بعين المصلحة الفئوية مهما كانت الأثمان، معرباً عن خشيته الحقيقية في أن تكون الحكومة الحالية آخر الحكومات والمجلس الحالي آخر المجالس في هذه الجمهورية التي وصفها رئيس حزب الكتائب بالعفنة.
لكن هذه الأوساط حريصة على عدم تحميل الرئيس برّي مسؤولية ما آلت إليه أوضاع النظام والحالة العامة، وتُحمّل هذه المسؤولية إلى حزب الله وحليفه الأساسي التيار الوطني الحر ومؤسسه العماد ميشال عون اللذين أوصلا النظام إلى هذه الحالة بخروجهما عن الدستور واتفاق الطائف وتعمّدهما تعطيل الاستحقاق الرئاسي والإصرار على أن يعمّ الشغور والفراغ في باقي المؤسسات الدستورية من مجلس نيابي وحكومة، وتمترسا في مواقفهما للدفع باتجاه جعل المؤتمر التأسيسي أمراً واقعاً لا مفرّ منه.