Site icon IMLebanon

هل يبعد الحراك المدني العسكر عن السلطة؟

عندما دعا أحد المتظاهرين، على الهواء مباشرة، الجيش اللبناني لاستلام الحكم، بدا الأمر مزحة سمجة. لكن مع توالي ظهور «محبي الجيش» وإعلانهم أن لا حل سوى باستلام الجيش لفترة انتقالية، صار الأمر أكثر من مزحة. ثمة مندسون فعليون أرادوا الإيحاء أن من نزل إلى الشارع كفراً بالطبقة السياسية، لم ينزل سعياً وراء الدولة المدنية الديموقراطية، بل وراء الدولة العسكرية!

«الجيش هو الحل» شعار بدا مقلقاً لكثر من المنظمين. ذلك خط أحمر مرفوض أكثر من رفض الطبقة السياسية وفسادها. لم يكن العسكر هو الحل يوماً، وإن رحبت به الولايات المتحدة أينما رأت إليه سبيلا.

مع توالي التظاهرات، زادت الخشية من سيناريو معد لحرفها عن هدفها. لم يكن غياب الجيش معتاداً. غياب استفز وزير الداخلية نفسه مراراً، قبل أن يعلَن عن إنشاء غرفة عمليات مشتركة بين الجيش وقوى الأمن في تظاهرة 29 آب.

يرفض وزير الداخلية تحميل المسؤولية لقوى الأمن، فيما يبدو الجيش حريصاً بدوره على نفض يده من الاحتكاك المباشر مع المتظاهرين. أما القول بأن حماية التظاهرات ومواجهتها هما من صلاحية قوى الأمن الداخلي، فعلى صحته، إلا أنه لا يستوي مع الواقع، حيث لم ينس اللبنانيون بعد أن الجيش نفسه هو الذي اصطدم مع المتظاهرين العونيين عندما نزلوا إلى رياض الصلح في 9 تموز.

رفض السفير الأميركي مغادرة لبنان قبل إنجاز التمديد لقائد الجيش، وما تلاه من أسئلة دولية عن شروط إعلان حالة الطوارئ واستلام السلطة من قبل الجيش لفترة انتقالية، يوحي ان الغرب، وإن لم يحسم أمره بعد، قد وضع نصب عينه استلام الجيش للسلطة كأحد الاحتمالات للخروج من الأزمة الحالية. أحد السياسيين – الضباط السابقين، وإن رفض التعليق على مساعي تعويم العسكر، إلا أنه اكتفى بالتأكيد ساخراً «لو أن حكم العسكر ممكن في لبنان لكنت أول من نفذ انقلاباً عسكرياً».

تلك المعادلة عرفها الجميع، في الداخل والخارج، كما عرف أن الناس الذين نزلوا إلى الشارع لم ينزلوا كرمى لعيون العسكر. بل على العكس، ردد مراراً «عسكر على مين»، ولم يأخذه اليأس من السلطة الحاكمة إلى حد استجداء أي بديل.

مع ذلك، فإن ابتعاد احتمال الحكومة العسكرية لا يعني ابتعاد فرص وصول العماد جان قهوجي إلى الرئاسة. ما يزال كثر يرون أنه الأوفر حظاً في استلام المنصب الأول، لأسباب عدة لا تختلف كثيراً عن أسباب تأييدهم لاستلام العسكر للسلطة، أبرزها أن الأوضاع الاستثنائية تفترض أن يكون الجيش في الواجهة، إذا لم يكن بشكل مباشر، فمن خلال وصول قائده والإبقاء على سلطته داخل المؤسسة العسكرية. إلا أن هذا الخيار ما يزال يلقى مواجهة قاسية، إما من المصرّين على وصول «الرئيس القوي» وإما من مؤيدي وصول «الوسطيين»، غير العسكريين، الوزير جان عبيد وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، إلى الرئاسة.

صحيح أن الدعوة إلى طاولة الحوار كانت سابقة لبدء التحركات الشعبية، إلا أن أحداً لا يمكنه أن ينكر أن قرف الناس ساهم في زيادة الحماسة لها، واقتناع الجميع بأن مصالحهم صارت مهددة أيضاَ وليس فقط الدولة والمؤسسات. وهم لذلك، يسعون إلى استيعاب الضربة الشعبية من خلال التكتل والاستعداد للتعاون في كثير من القضايا وتحريك عجلة الجمود، من دون أن يكون أحد موهوماً بإمكان الاتفاق على اسم رئيس الجمهورية، بانتظار الانفراج الإقليمي.

وللمفارقة، وهو ما تطرقت له مجلة «فورين بوليسي» أمس، فإن أزمة النفايات ساهمت بشكل فاعل في تقديم موعد طرح الملف اللبناني على طاولة الحوار السعودي الإيراني لحظة انعقادها، علماً أن التحضيرات للقاء المرتقب بين مسؤولي الدولتين في الأمم المتحدة في نيويورك أواخر هذا الشهر، بدأت تتكثف، حيث يتوقع اللبنانيون الكثير من هذا اللقاء، الذي يسبقه اليوم لقاء الملك سلمان مع الرئيس باراك اوباما.

النتائج اللبنانية ليست واضحة المعالم بعد. وإذا كان الرهان قد كبر على عدم قدرة أي «مرشح قوي» على اجتياز السباق لأسباب موضوعية تتعلق بظروف البلد وطبيعة الحكم فيه، فإن ثمة في السلطة من له نظرية مختلفة: لن يكون الرئيس توافقياً، ومن ظن أن حظوظ العماد ميشال عون قد انخفضت، يكون قد أخطأ التقدير. هؤلاء يرون أن مسألة الرئيس القوي صارت أصعب من أن يتم تخطيها.. بغض النظر عن الاسم، إن كان عون أو سليمان فرنجية، مقابل الإتيان بسعد الحريري رئيساً للحكومة.