هل يمكن القول إنه بات لا بد من العودة الى “اعلان بعبدا” للتخلص من اتخاذ موقف من التحالف القائم لضرب “داعش” والمجموعات الارهابية في المنطقة وإثارة خلاف جديد بين اللبنانيين المنقسمين أصلاً سياسياً ومذهبياً ما ينعكس سلباً على الحكومة نفسها ويعرضها لخطر الاستقالة، وهو الموقف الذي واجه حكومة الرئيس نجيب ميقاتي عندما لم تستطع إلزام كل أعضائها باعتماد سياسة النأي بالنفس حيال ما يجري في سوريا، فكان تدخل “حزب الله” عسكرياً في الحرب السورية من دون التزام هذه السياسة سبباً لاستقالتها؟
لقد بدا أن الخلاف بين القوى السياسية الاساسية في البلاد قد يتجدد بين من يريد الانضمام الى التحالف الدولي لضرب “داعش” والمجموعات الارهابية وتحديداً في سوريا، ومن لا يريد ذلك، خصوصاً إذا أعاد قيام هذا التحالف الصراع بين المحاور في المنطقة وحول تقاسم النفوذ وحماية المصالح الحيوية لكل دولة، أو عودة الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الاميركية ومن معها وروسيا ومن معها، والتي أبقيت مع الصين وايران خارج هذا التحالف، ما يجعل اللبنانيين الذين انقسموا بين من هم مع المحور الايراني – السوري ومن هم ضده يزدادون انقساماً الآن بين من هم مع التحالف العربي والدولي لضرب “داعش” ومن هم ضد هذا التحالف ما لم يعرفوا مَن هي المجموعات التي تعتبر ارهابية ويجب ضربها، وهل أن “حزب الله” والمجموعات المسلحة التي حاربت مع النظام السوري ارهابية ويجب ضربها، عدا الخلاف على ضرب “داعش” والمجموعات الارهابية من دون التنسيق مع السلطة السورية والحصول على موافقتها وإلا اعتبرت ذلك انتهاكاً للسيادة السورية واعتداء على أراضيها.
وتجنباً لتجدد الخلاف بين اللبنانيين وقادتهم حول الموقف من التحالف الدولي لضرب “داعش” والمجموعات الإرهابية إذا لم يتم التفاهم مع سوريا على تحديدها، لا بد للبنان عندئذ من العودة إلى سياسة النأي بالنفس بحيث يبقى خارج التحالف مع تأييده لضرب “داعش” والمجموعات الإرهابية من دون أن يكون “حزب الله” من ضمن هذه المجموعات لئلا يتعرض الأمن والاستقرار في لبنان للخطر.
ثمة من يقول إن على “حزب الله” بعد الوضع الستجد في العراق وما سوف يستجد أيضاً في سوريا، الانسحاب من حرب باتت أكبر من الحزب ومن سوريا نفسها، وباتت حرباً تعني كل الدول المهددة من “داعش” والارهابيين بكل أشكالهم وهوياتهم والمهددة أيضاً بمصالحها، او ان يتم استعجال تحقيق الحل السياسي للحرب في سوريا بالعودة إلى قرارات مؤتمر جنيف بعدما باشر الموفد الأممي ستيفان دوميستورا تحركه بعقد لقاءات مع الرئيس بشار الاسد ومسؤولين آخرين في سوريا وتابعها مع مسؤولين في لبنان أملاً في التوصل الى حل سياسي للحرب في سوريا على أساس مؤتمر جنيف باعتبار أن الظروف الراهنة باتت مختلفة عما كانت عليه من قبل. وقد بدأت هذه الظروف تتغير مع التغير الذي بدأ في العراق وقد يكمل دورته في سوريا وفي غيرها من دول المنطقة التي تتعرض لحروب داخلية لأسباب سياسية أو مذهبية وقبائلية. فكما أن النظام في سوريا وافق في الماضي على تسليم أسلحته الكيميائية تجنباً لضربة عسكرية أميركية، فانه قد يسلم بحل سياسي تجنباً لضربة تسقطه وإن باسم مكافحة الإرهاب.
والسؤال المطروح هو: هل يقع لبنان مرة أخرى في خطأ الانحياز الى هذا المعسكر أو ذاك كما فعل حيال الحرب في سوريا خصوصاً إذا ظلت روسيا والصين وإيران وسوريا خارج التحالف وشكَّل ذلك عائقاً أمام تنفيذ استراتيجية ضرب “داعش” وكل المجموعات الارهابية ومن دون الاتفاق على تحديدها لئلا تسقط أنظمة صديقة لروسيا ومن معها تحت ستار مكافحة الإرهاب؟ لذلك على لبنان أن يعتمد دائماً سياسة الحياد عندما يكون خلاف بين الدول لأن تركيبته الداخلية الدقيقة والحساسة لا تتحمل تداعيات هذا الخلاف. وعلى الدول الشقيقة والصديقة التي أيدت “اعلان بعبدا” أن ترى الظرف الراهن مناسباً لترجمة هذا التأييد بجعل لبنان خارج صراعات كل المحاور وخارج كل الخلافات العربية والاقليمية والدولية وإلا ارتد هذا الخلاف سلباً على وحدته الوطنية والعيش المشترك والسلم الاهلي. وليس سوى تحييد لبنان عن هذه الصراعات ما يحمي سيادته واستقلاله ووحدته الوطنية واستقراره.
وفي انتظار موقف روسيا وايران من طريقة ضرب “داعش” وسواها داخل الاراضي السورية يكون للبنان موقف. فإذا صار اتفاق كان لبنان معه، واذا صار خلاف يبقى خارجه ليسلم، ويباشر العمل على تنفيذ بنود “اعلان بعبدا” بوفاق وطني شامل يكون “حزب الله” ركيزته بعد انتفاء اسباب بقائه في سوريا للقتال. هذا الاعلان الذي لم ينسه الرئيس ميشال سليمان ويأتي على ذكره في كل مناسبة ويدعو الى تطبيقه ويفكر في انشاء جبهة تلاحق هذا الامر.