IMLebanon

هل يعلمون خطورة تدابيرهم في ما خصّ المؤسسة العسكرية؟

 

يقولون إنّ الجيش ليس مستهدَفاً، وإنّ التدابير المقترحة حول تخفيض بعض حقوقه وقسم من موازنته، او حول تعديل بعض القوانين التي ترعى إدارته وتنظيمه هي ضرورية لحماية هذه الحقوق، ويقولون ايضاً إنّ اقتراحاتهم حول تخفيض بعض حقوق وتقديمات متقاعديه هي اولاً لحمايتها، وثانياً، وهذا ظهر واضحاً من تصريحات بعضهم أخيراً، لأنّ المتقاعدين هم خارج المؤسسة العسكرية، وهم غير منتجين ويشكلون عالّةً على المالية العامة، وقد حصلوا على كامل حقوقهم وزيادة، ونحن اليوم كسلطة واعية مؤتمنة على المال العام، سوف نستردّ هذه الزيادة، اولاً لأنها ليست من حقهم فهم لا يعملون، وثانياً لأننا نحتاج بعض المبالغ لإكمال موازنة استثنائية، والأهم – حسب هذه السلطة الواعية – لا توجد أيُّ دولة في العالم تقدم هذا المستوى من التقديمات للمتقاعدين العسكريين…

مع كامل الاحترام والتقدير لشخصهم الكريم ولمواقعهم الدستورية المحترمة، جميع دول العالم تقدِّر تضحيات وخدمات متقاعديها العسكريين، وتعتبرتلك الدول، قانوناً وعرفاً ومنطقاً واخلاقاً، أنّ المتقاعدين العسكريين قد سلَّفوا حكوماتهم وبلدانهم سابقاً من تضحياتهم وتعبهم وخوفهم وسهرهم ودمائهم الكثير، وهذا يعرفه جميع المسؤولين ومن المعيب أن نُذكِّرَهم به، لأنّ في ذلك إهانةً لهم ولمعرفتهم ولمفهوميّتهم لا سمح الله.

المتقاعدون العسكريون عايشوا تقريباً معظم الحروب الطائفية والمذهبية والحزبية التي تسبَّبَ بها أبطال سلطتنا الحالية، وهم يتظاهرون اليوم ويعتصمون ويصرخون ويناشدون و»يترَجُّون» وزراء اليوم – أبطال حروب ومآسي الأمس – للمحافظة لهم على الحد الأدنى من معاشٍ تتضاءل قيمتُه يوماً بعد يوم …
هؤلاء المتقاعدون اليوم هم الذين تصدّوا للعدوّ الإسرائيلي باللحم الحيّ ومن دون ايّ سلاح نوعي يحميهم، لأنّ الموازنة كانت دائماً فارغة الّا للصفقات او للمشاريع السياسية والانتخابية، وهم الذين خاضوا المواجهة ضد الإرهاب ونجحوا، على رغم من فشل وانقسام السياسيين في تلك المواجهة، وكان متقاعدو اليوم، عسكريو الأمس، بحكمتهم وبتفانيهم وبشعورهم العالي بالمسؤولية، صمّام أمان الدولة والوطن، عندما فقد المسؤولون، والذين في معظمهم ما زالوا متربعّين على السلطة، زمام المبادرة وحسن القرار.

المتقاعدون العسكريون الذين يتظاهرون اليوم للحفاظ على حقوقهم كانوا وقوداً لتلك الحروب، بحياتهم او بصحتهم او باستقرارهم النفسي او الاجتماعي او بتعاسة اوضاعهم المادية، فهم لم يسرقوا من مال الدولة الذي سرقه رجالها، بل كانوا حُماتها وحُماتهم (لعن الله الساعة)، ولم تتسنََّ لهم المتاجرة او متابعة حركة البورصة والعملات الاجنبية، لأنهم كانوا دائماً محجوزين على الجبهات او في المراكز العسكرية المنتشرة بين أزقة وشوارع ميليشيات الأمس، أبطال سلطة اليوم.

اليوم، بمعزل عن قيمة ومضمون هذا النقاش الذي جرى ويجري في مجلس الوزراء من الناحية المادية، حول تخفيضات موازنات الوزارات، من المعيب أن يصل الامر الى البحث في إمكانية إلغاء بدل الأكاليل التي تقدمها قيادة الجيش لأهالي الشهداء أو للمتوفين من اهالي العسكريين عربون تقدير لهم، فأيّ مؤسسة أو شركة أو ربّ عمل يقوم بهذا الواجب تجاه موظفيه، فكم بالحري إذا كان بدل هذه الاكاليل سوف يدفع في دفن شهيد او في دفن احد افراد عائلة العسكريين؟

هل يعلم الوزراء ابطال اقتراح إلغاء التدبير رقم 3 اليوم بما يعنيه ذلك من تخفيض لجهوزية الوحدات العسكرية والامنية، انّ لبنان ما زال بعين العاصفة الاقليمية والدولية، وهو معرَّض كل ساعة لاعتداءات عدوة او لهجمات ارهابية او لتوترات امنية خطرة ناتجة عن تواجد ملايين النازحين على ارضه، والذين يشكلون عبئاً امنياً وإدارياً ضخماً، لا يمكن مواجهته ومتابعته الّا بجهوزية مرتفعة وعلى مدار الساعة؟

هل يعلم هؤلاء المُنَظِّرون والحريصون على تحسين المالية العامة من معاشات وتقديمات الموظفين، كم ستبلغ خسائر لبنان المالية من جراء إنخفاض عائدات السياحة الموعودة، فيما لو حصل ايُّ حدث امني او ارهابي بسيط، ناتج عن الجهوزية المتوسطة او المنخفضة للأجهزة الامنية او العسكرية؟

هل يعلم هؤلاء، جهابذة الأمن والعمليات، انّ مهمة حفظ الامن في الداخل تتطلب جهوداًَ وجهوزية تماثل مهمة الانتشار على الحدود، وأنه في حرب المواجهة ضد العدو عند ايّ اعتداء، ستكون جميع المواقع العسكرية في الداخل وعلى الحدود معرضة للاستهداف الجوي، لأنّ حرب العدو الاسراائيلي علينا، كانت دائماً وستكون، بواسطة الغارات الجوية بنسبة كبيرة؟

هذا التشريح المُفَصَّل لموازنة وزارة الدفاع والدخول بالارقام البسيطة حتى المبالغ الدنيا، هل حصل مع وزارة الطاقة عند دراسة سلفة عجز شركة كهرباء لبنان ولمبلغ تجاوز 1600 مليار ليرة، ويتكرّر كل سنة ولأكثر من عشرين سنة متتابعة، ومن دون أن يعلم احد من المسؤولين او من المواطنين تلك التفاصيل الغامضة والخفية؟ في الوقت الذي نتكلم فيه عن موازنة مؤسسة مُنتجة تبيع الكهرباء بأسعار معقولة، ومن المفترض ان تؤمن منها وفراً للخزينة، وليس كما هو حالها اليوم، تصيب الخزينة بعجز قاتل!

هل تجرّأ احدٌ من الوزراء وحاول معرفة بعض من تفاصيل ارقام موازنة رئاسات ووزارات تفوق مليارات الليرات، والتي تضيع ارقامُها بين هيئات ومجالس وصناديق و… «ما أحلى مغارة علي بابا بالنسبة لها»!