Site icon IMLebanon

هل يسلمون بخسارة درعا وانتكاسة حرب الحدود؟

الكونغرس الأميركي أقر بغالبية ساحقة مشروع قانون لتشديد العقوبات على إيران. وشمل المشروع روسيا أيضاً لاحتمال تدخلها في الانتخابات الرئاسية الأميركية وضمها شبه جزيرة القرم ودعمها نظام الرئيس بشار الأسد. والتحقيقان القضائي والاستخباري في احتمال تدخلها باتا يشملان الرئيس دونالد ترامب. وزير خارجيته ريكس تيلرسون سجل تحفظه على المشروع. لا يروقه أن تكون العلاقات بين واشنطن وموسكو في أسوأ مستوياتها. وهو يحرص على وقف تدهورها أكثر لمواصلة العمل الثنائي في مناطق معينة، مشيراً إلى جهود قائمة في سورية. ويعارض العقوبات لأن ذلك يقيد هامش التحرك، وهو يريد «أوراق ضغط لأوقات أخرى». الرئيس فلاديمير بوتين هو الآخر حريص على العلاقات الثنائية مع الولايات المتحدة التي لا يعتبرها «عدواً». بل لديه «أصدقاء فيها» يهتم مثلهم بالتعاون لمعالجة الملفات الملحة. وكرر استحالة تسوية الأزمة السورية والصراع في الشرق الأوسط من دون تعاون وتنسيق بين بلاده وأميركا. ولم ينس تحميل الرئيس باراك أوباما المسؤولية عن «صناعة ظروف تجعل ترامب غير قادر معها على الوفاء بوعوده لشعبه». لديه ثارات مع الرئيس السابق الذي لم يكنّ أي احترام. فقد نادى القوى الكبرى إلى سياسة التعاون لحل المعضلات والمشاكل الدولية. ونهج سياسة عدم التدخل والانخراط في الأزمات. لكنه أدرك متأخراً في آخر سنة من ولايته الثانية أن لا بد من رفع موازنة الدفاع. وكان التركيز في حيثياتها على وجوب التصدي لما سمي «اعتداءات روسيا». وخصصت إدارته مبالغ لتغطية نفقات انتشار قوات أميركية في وسط أوروبا وشرقها لمواجهة «هجوم الكرملين».

لا يزال الرئيس بوتين اليوم يأمل بعلاقات مختلفة مع الإدارة الجديدة. لكنه سينتظر طويلاً ما دام التحقيق في تدخل روسيا في الانتخابات الأميركية يزداد تعقيداً ويضيق الخناق على الرئيس ترامب. في هذه الأثناء لا شيء يثنيه عن مواصلة مشروعه لاستعادة مكانة بلاده ودورها، انطلاقاً من سورية خصوصاً والمنطقة عموماً. فهو حريص على تعميق تفاهمه مع إيران شرقاً ومصر في أفريقيا، وقوى أخرى في الإقليم. ولا يرغب في حسم الموقف مع الولايات المتحدة بقدر ما يرغب في شراكتها. وهو يلتقي مع الوزير تيلرسون في وجوب الحفاظ على الحد الأدنى من التفاهم الثنائي في سورية. لكن الوقائع على أرض الشام تشي بخلاف ما يتوافق عليه الطرفان. مشروع «مناطق خفض التوتر» الذي أقر في آستانة ولقي تأييداً من واشــنطن، يكاد لا يبقى منه شيء. إيران والنظام يعملان على تقويض المنــطقة الخاصــة بالغوطة الشرقية. وكذلك تهدد اندفاعة الجيش والميليشيات في البادية شــرق حمص «المنطقة» الخاصة بهذه المحافظة. أما الحدود الجنوبية فتشهد أقسى المعارك للسيطرة على درعا، كأن المقصود تقويض الاتفاق الأميركي – الروسي الخاص بالحدود الجنوبية. بل تقويض إقامة «المــنطقة» الرابعة التي تضم درعا والقنيطرة والسويداء، بما يضمن ابتعاد النفوذ الإيراني عن الحدود مع إسرائيل والأردن، ويطمئن هذين البلدين.

هذه التطورات الميدانية لا تشكل وحدها تحدياً لما تريده إدارة الرئيس ترامب من سورية، خصوصاً من تفاهمها مع موسكو. كان يفترض أن تنتهي «مناطق خفض التوتر» إلى تقاسم سورية بين القوى المنخرطة في الصراع. وأن تنتهي حماية هذه المناطق إلى وقف العنف وتكريس واقع يسهل تسويق مشروع الفيديرالية، بحيث ينتهي الوضع في سيطرة الولايات المتحدة على حدود سورية مع العراق والأردن لتحقيق هدفها الاستراتيجي بكسر الهلال الإيراني. على أن تستأثر روسيا بدمشق والساحل… على غرار التقاسم الحاصل في أوكرانيا حيث شرقها للشرق وغربها للغرب، وعلى غرار «التقاسم» في جورجيا حيث أوسيتيا وأبخازيا لحلفاء روسيا وجورجيا للغرب. لكن إيران نجحت قبل أيام في ربط الحدود بين سورية والعراق شمال الرقة (جنوب الأنبار). وضمنت بذلك طريق إمداد الأسلحة إلى قوات النظام وميليشياتها من مصانعها حتى ساحل الأبيض المتوسط. كما ضمنت قطع التواصل بين «وحدات حماية الشعب» و «فصائل الجنوب» التي تحظى بحماية ودعم من أميركا. وكان حضور قائد «فيلق القدس» في «الحرس الثوري» الجنرال قاسم سليماني مع فصيل أفغاني رسالة واضحة إلى واشنطن أن مساعيها إلى فك «الهلال الإيراني» باءت بالفشل. وكان ظهر قبل ذلك مع «الحشد الشعبي» لدى وصوله إلى الحدود مع سورية في منطقة بين نينوى والحسكة، تمتد على مساحة سبعة كيلومترات.

الدينامية الميدانية في أكثر من بقعة في سورية لم تكرس بعد واقعاً ثابتاً. فالقوات الأميركية زودت حلفاءها نظاماً مدفعياً متطوراً أثار حفيظة روسيا التي حذرت من التمادي في استهداف قوات النظام السوري. وتمددت نحو منطقة الزكف على بعد سبعين كيلومتراً شمال قاعدة التنف. أي أن معركة الحدود لم تحسم بعد. علماً أن موسكو التي تنتظر الترياق من الوزير تيلرسون، لا تقف مكتوفة. بل تواصل بناء استراتيجيتها وتنفيذ مشروعها في سورية والمنطقة وأنحاء أخرى في العالم فيما اقتصادها لا يزال يعاني ويواجه صعوبات. وعلى رغم كل ما يقال عن التحالف التكتيكي بينها وبين طهران، وإمكان تعرضه لانتكاسة إذا عقد التفاهم بين بوتين وترامب، فإن الكرملين تعامل مع مشروع طهران بإيجابية. بل يدعم ويساعد على تحقيقه، بخلاف ما يتوقع الأميركيون. والدليل دعمه قوات النظام والميليشيات التي أعادت ربط الحدود بين سورية والعراق. وسكوته عما يجرى في درعا، حيث يقاتل النظام وحلفاؤه من أجل استعادة السيطرة على المعبر القديم مع الأردن ومعبر نصيب التجاري. كل ذلك ليحبط الرئيس بشار الأسد خطة «المناطق الآمنة». وليثبت أنه لا يزال قادراً على الإمساك بالحدود. وبتوفيره ممراً بين بلاده والعراق، يؤكد وقوفه إلى جانب الجمهورية لأنها وحدها ضمان بقائه. وهو بذلك يقطع الطريق على أي تفاهم بين القوتين الكبريين ترغب واشنطن من ورائه في إنهاء دوره وإبعاده عن السلطة.

حرب «المعابر» والسيطرة على الحدود لم تنتهيا بعد. ولن تنتهيا في المدى المنظور. جل ما يرغب فيه اللاعبون الكبار وقف القتال وتجميد الأزمة إلى أن يحين وقت الصفقات، أو إقرار الجميع بوجوب قيام نظام دولي جديد يراعي موازين القوى القائمة، ويراعي المصالح والعلاقات القائمة. ومن المبكر أن يحتفل هذا الطرف أو ذاك بالنصر الحاسم. إيران مصصمة على التمسك بما حققه «الحرس الثوري» ولن تتخلى عن «العواصم الأربع» مهما كلفها ذلك. وروسيا التي تراهن على التقارب مع إدارة ترامب، تراهن أكثر على تحالف يشمل إلى الجمهورية الإسلامية، الصين الراغبة أيضاً في أداء دور في الشرق الأوسط الذي تستورد منه معظم حاجاتها للطاقة. يبقى السؤال، هل تسلّم إدارة الرئيس ترامب وحلفاؤها في قمم الرياض بخسارة أول خطوة في استراتيجية ضرب النفوذ الإيراني في الإقليم؟ وهل يسلّم الأردن الذي لا يرى ملكه عبدالله الثاني تسوية في سورية من دون توافق أميركي – روسي بانتشار إيراني على حدوده؟ وماذا عن إسرائيل التي تغير طائراتها من وقت إلى آخر على قوافل تحمل السلاح من إيران إلى «حزب الله»، هل تسلّم بالأمر الواقع؟ وماذا ستفعل قوى «الائتلاف الوطني» و «أصدقاؤها» والفصائل الأخرى على اختلافها؟ جميعهم يدركون أن خسارة «الجبهة الجنوبية» تعني نهاية المعارضة. وكانوا يعولون على دور هذه الجبهة الهادئة نسبياً من سنتين وأكثر، في الزحف إلى دمشق في اليوم المناسب وحسم الأزمة… ولكن يبدو أن قوات العاصمة تزحف إليهم؟! من الصعب أن يستسلم المنخرطون في الأزمة من ست سنوات أو أن يسلّموا بنتائج الدينامية الجديدة وإن جدد المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا دعوته إلى جنيف خامسة وسادسة و…