شكلت حادثة إطلاق النار التي وقعت مساء الاثنين في مسجد مدينة «كيبيك» صدمة كبيرة للمجتمع الكندي الذي انبرى رئيس وزارته «ترودو» يؤكد، منذ الساعة الاولى لفوز ترامب في السباق الرئاسي، على تمسك كندا بانفتاحها الديني والعرقي والاجتماعي وحفاظها على التعددية وسياسة الأبواب المفتوحة لمن يتوق للعيش الحر ضمن أنظمة وقوانين تعتبر احترام الاخر خطاً احمر. الا ان الصدمة كانت اخف وقعا على المراقبين السياسيين، الذين شعروا ان خطاب ترامب العنصري والمتشدد أعطى دفعا لليمين المتطرف، وكانت آخر قراراته بمنع مواطني الدول السبع الاسلامية من دخول الولايات المتحدة الشعلة التي أوقدت النار في الهشيم في الاتجاهين: فقد فتح معارضو ترامب النار علناً وفي مختلف المحافل على قراراته المتطرفة والمناقضة لجوهر الحضارة الأميركية المتحررة والرائدة في مجال الحريات والديمقراطية والانفتاح، كما ان هذا القرار قد اطلق العنان للمتشددين للتعبير عن رفضهم للاخر، وللمسلمين تحديدا، وأعطى املا كبيرا لكل التيارات المتطرفة والمناهضة للتنوع الديني والمذهبي في العالم الغربي، لإمكانية استلام سدة الحكم إذا ما تم تجييش الشارع بالشكل المناسب وإيقاظ الكراهيات الدفينة وتضخيم الخوف من الاخر والفض للاختلاف. ومن هنا، اثبتت التحريات الأولية ان «الكساندر دو بيسونيت»، مطلق النار على مسجد كيبيك، من مؤيدي «لوبين»، رمز اليمين المتطرف الفرنسي، وبالتالي، ان أصوات الكراهية والتشدد في أميركا وأوروبا ممكن ان تجد آذانا صاغية في العالم اجمع، وكندا خصوصا، لما للتعددية والتنوع دور في بناء المجتمع الكندي واقتصاده.
أما التحدي الأكبر الذي ينتظر «ترودو» فيكمن في طريقة ادارته للمحادثات مع ترامب في لقائهما المرتقب قريبا، من خلال قدرته على إيجاد التوازن بين مصالح كندا الاقتصادية والحيوية مع الولايات المتحدة من جهة، والتأكيد على التمسك بسياسة الانفتاح وقبول الاخر واحترام خصوصيته، التي تشكل نواة المجتمع الكندي والأساس في قدرته على الحفاظ عَلى الأمن والاستقرار في خليط بشري متنوع وغني، ان لم يكن متجانساً إنما متعاون تحت سقف الحرية والديمقراطية التي ينشدها كل مهاجر الى دول العالم الجديد.
فهل ينجح «ترودو» في التصدي لآلة ترامب المدمرة التي تعتبر كل من يخالفها عدوها، وهل يتحقق الفصل بين وحدة المصالح الاقتصادية واختلاف الرؤية السياسية، أم ان الضغوط الأميركية ستنجح في جر كندا والعالم الى مكان اكثر ظلاما؟
وهل تطوى صفحة حادثة كيبيك على انها عمل إجرامي فردي. ام انها ستفتح الباب امام معالجة الإرهاب في شتى أنواعه و مصادره، عربيا كان او غربيا، باسم الاسلام المتطرف او المسيحية المتشددة؟ ان الاستحقاق عالمي لارتدادات سياسات أميركا الجذرية، على أمل الا يدفع المزيد من الأبرياء أثمانا باهظة لأخطاء لا ناقة لهم فيها ولا جمل!