IMLebanon

هل فقدنا الروح؟

هل صار الإسلام ديناً لا روح له؟ هل هو دين من دون روح؟ هل هو دين أفرغه أصحابه من الرحمة والتسامح فصار دين القتلة والمشعوذين؟ خلافة من دون فتوحات؟ فتوحات لهداية مسلمين إلى دينهم؟ دين لقتل أهل أديان أخرى من دون ذنب؟ هل إسلام هؤلاء عودة إلى الجاهلية وإلى زمن الفتوحات؟ أم دين لجماعة عجزت عن صنع الحاضر، فعادت إلى الماضي لتهدمه لأنها عجزت عن صنع المستقبل؟

هل بلاد المسلمين هي بؤرة الصراع العالمي ضد نظام الكون؟ وهل يقتضي ذلك كل هذا الكمّ من الانتحار وقتل الآخرين ممن لا نعرف وجوههم؟ وما الفرق بين هؤلاء القتلة والطيران الأميركي وموجهي الطائرات من دون طيار (درونز)، من فلوريدا، الذين لا يرون وجوه قتلاهم؟ أو هم كالذين يسقطون براميل متفجرة عشوائياً؟

وهل الإسلام الذي يعيش مجتمعه في البلدان النفطية (والبلدان المستفيدة من التمويلات النفطية) سوى مجتمع أقلع عن الإنتاج كي يستسلم للاستهلاك؟ وهل الاستهلاك المحض هو غير الرضوخ الكامل للرغبات والغرائز البدائية؟ هل ينتج الإسلاميون الحاليون أفكاراً أو فنوناً جديدة؟ هل يقرأون الشعر؟ هل يقرأون القرآن نفسه؟ أم هم تلامذة أهل الحديث والرواة؛ فلان عن فلان؟!

هل صحيح أن الدولة العربية مستحيلة؟ وهي لا يمكن أن تبنى إلا على الشريعة لكن الحداثة تحول دون ذلك؟ لذلك أصبحت الدولة العربية المعاصرة مستحيلة. هل هذا كلام يريد أن يسمعه، بالأحرى أن يمليه، إلا أصحاب النفط، ملتقطو نفايات النفط، حراس باطن الأرض، دولة إسلاموية لا مهمة لها إلا حراسة الآبار للأميركيين وأصحابهم؟ وهل ما قاله أحد كبار الفقهاء عن تأسيس أهل السنة على عقيدة صاغها نخبة في بغداد في القرن الثاني الهجري على أساس معتقدات ابن حنبل؟ وتطورت الأمور عبر ابن تيمية وصولاً إلى ابن عبد الوهاب، إلى إسلام سيد قطب وأبي الأعلى المودودي والحسن النووي وجماعة الإخوان المسلمين وأخواتها؟ وهل إسلام هؤلاء جميعاً إلا إسلام الطقوس الجماعية، والابتهالات إلى إله يشكون هم بوجوده؟ وصلوات إضافية رمضانية لا لزوم لها؟ وهل هؤلاء معدومو التجربة الروحية؟ وهل هناك تجربة روحية إلا وهي فردية خارج المساجد وبيوت العبادة؟ وهل صارت العبادة إلا تحايلاً عن الله؟

متى صارت «السنة» مذهباً؟ وهي لم تكن كذلك عبر العصور. وهل المذهب يتكوّن إلا حول عقيدة، وما من أحد في التاريخ حاول سن عقيدة للمسلمين السنة إلا وفشل؟ وكانت جماعته أقلية لا تذكر؟ وهل ما يكتبه كبار الفقهاء في هذا الشأن إلا بحوثاً تبدو أكاديمية مجردة في حين هي متميزة مدفوعة الأجر. بل هي جزء من حرب ثقافية.

وهل الشيعة إلا وجه آخر للمسألة؟ هل إحالة بشر إلى العصمة وإحالة فقهاء من بعدهم إلى «وكالة» لا تقل قدسيتها عن الأئمة إلا محاولة في هذا السبيل؟

هل الصراع بين السنة والشيعة (خاصة في المشرق العربي) سوى صراع على السلطة (لا صراع على الأرواح والإيمان المتكرس في معتقدات)؟ وهل يخدم هذا الصراع سوى في إعادة الاستبداد ولعقود، وربما قرون، من الظلام، وربما الفناء؟

لا يختلف الإسلام عن غيره من الأديان. إذا كان الوضع الاجتماعي مرتاحاً مرحرحاً فهو يسمح بالتفسير الأكثر تسامحاً وتعايشاً. وإذا كان المجتمع في حال أزمة خانقة فإنه لا يسمح إلا بالتطرف والتشنج. وهل المجتمع الإسلامي (والعربي بشكل خاص) إلا مجتمع مأزوم مهزوم لا يعترف بالأزمة ولا بالهزيمة؟ ولا ينتصر إلا من يعترف بالهزيمة؟ ولا لزوم لدلائل.

أليس من حق النخبة الثقافية، بل واجبها، البحث عن أسباب المأزق والهزيمة لا في حنايا الإسلام التاريخي بل في حنايا الإسلام المعاصر الذي تتالت أزماته وهزائمه انتحاراً وقتلاً بالمئات والألوف في عمليات انتحارية مستخدمة فيها النساء المسنات والأطفال في هجومات لا يقوم بها إلا الجبناء ومعدومو الروح والإنسانية؟

نعود إلى أسباب الهزيمة والمأزق: هل هي في نفط من باطن الأرض؟ وهدية دعوية (وهابية وأخواتها) من أعالي السماء؟ تحالفتا على ما وهب الله لنا من باطن الأرض؟ فإذا بنا مجتمع مستهلك لا ينتج وإذا بنا نستسلم لهذه الدنيا بحماية أميركية؟ وفي الاستسلام للاستهلاك استسلام للغريزة وحب البطن وما طاب من النساء؟ هل بعد ذلك نبقى مجتمعاً يستحق الاحترام؟ الجواب المباشر لا وألف لا؟

ألسنا بفضل ذلك قمنا بدفن العقل ودفن الروح، ثم أنتجنا غريزة جديدة، غريزة الاستهلاك لمجتمع يعيش على حساب الغير (من عمال أجانب مستقدمين) وعلى حساب النفط؟ في استسلام كامل لما يُراد لنا؟ وتبقى فلسطين بعيدة المنال، وهي كذلك أصلاً؟ ويبقى العالم الحديث بعيد المنال في مجتمع لا يعمل؟ وتخترع السلطات الرسمية أعداء وهميين هم أبناء شعبنا الأصليون، خاصة في اليمن؟ وخاصة في سوريا، وخاصة في، وفي، وفي…

وهل ينتج عن كل ذلك إسلام فردي ينبذ الإسلام الجماعي ويحوّل الإسلام الفردي إلى تجربة روحية؟ إيمان من دون عقيدة، وعقيدة يتم التخلي عنها بالكامل من أجل بناء التجربة الفردية الروحية التي تنتج مواطناً عربياً جديداً مؤمناً من دون أن يشرف أحد على إيمانه؟ لا يحتاج إلى فتوى (سواء فتوى شريرة أو حسنة) ولا يحتاج إلى علماء يعتبرون أنفسهم ورثة الأنبياء، ولا إلى فقهاء يتولون ولاية المعصوم في غيبته؟

وهل تأتي حداثتنا إلا من هذا الفرد الذي لا يتخلى للجماعة عن روحه فيقاوم استبدادها كما قاوم من قبلها استبداد الأنظمة العسكرية؟ ألا نحتاج إلى الخلاص من الطقوس الجماعية لنكمل الخلاص من الأنظمة الاستبدادية؟

ألا نحتاج إلى الخلاص من استبداد الجماعة بالفرد، كي يتحرر الفرد من جميع أنواع الاستبداد؟ وتطمئن روحه، ويباشر العمل والإنتاج لإنشاء مجتمع جديد قائم على الإنتاج لا الاستهلاك؟ ينتج ما يحتاج إليه، يكسب احترام نفسه، ثم يستهلك ما يحتاج، وما يكفي حاجاته فقط من دون تبذير مهين في طغيانه وإقذاعه؟ ألا نحتاج إلى الخلاص من البورنو الاستهلاكي؟ الذي تقزز النفس مشاهدته، ناهيك بممارسته؟

ألا نحتاج إلى مجتمع إنتاج يحل مكان مجتمع الاستهلاك لكي تصير عندنا هوية عربية تستحق الفخر والاعتزاز، نصنع بها مستقبلنا، ونصير بها مجتمعاً ذا كرامة واعتزاز؟ بها وحدها نصير مجتمعاً قادراً على الانتصار بما هو أكثر من مقاومة؟

نستحق ذلك. علينا أن نسعى في سبيل ذلك. عندها نستحق ثواب الدنيا والآخرة. لا تكون الآخرة محمودة العواقب من دون ذلك.

ننخرط في العالم، نصنع دورنا في هذا الكون، نصنع الهوية التي تستحق الاعتزاز. عندها ننتصر. ننتصر على أنفسنا أولاً، ننتصر على العالم ثانياً (بما في ذلك إسرائيل). ولا ننتصر على العالم إلا بأن ننتصر على أنفسنا.