Site icon IMLebanon

هل يحذو سلام حكوميّاً حذو برّي؟ “الميثاقيّة” تطبق عند بتّ المواضيع المصيريّة

حسناً فعل الرئيس نبيه بري بالدعوة إلى عقد جلسة نيابيّة في 12 من الشهر الجاري، وحسناً يفعل الرئيس تمام سلام إذا دعا إلى عقد جلسة لمجلس الوزراء كي يتحمل كل نائب ووزير مسؤوليته أمام الوطن والمواطن، لأن “الميثاقيّة” تقف عند حدود أولويات الناس ومصلحة الوطن ومتطلبات الأوضاع الاقتصادية والمالية في البلاد، إذ أنه لم يعد معقولاً ولا مقبولاً أن تصبح “الميثاقيّة” سلبية وسبباً إضافيّاً لتعطيل عمل الحكومة وعمل مجلس النواب، وكأنه لا يكفي أن يكون سبب التعطيل السياسة الكيدية المتبادلة والنكايات بين أهل السياسة. فلو أن هذا التعطيل يشكل ورقة ضاغطة على من يعطلون الانتخابات الرئاسية كي يعودوا عن ذلك لكان التعطيل الشامل مطلوباً من الجميع. أما أن يضاف إلى هذا التعطيل المفروض تعطيل عمل كل المؤسسات ليصبح الضرر شاملاً مصالح الناس والوطن ومقومات المحافظة على الأوضاع الاقتصادية والمالية فهذا مرفوض ويكون أشبه بمن يقطع رجله رداً على قطع يده، أو كمن يوقف المحرك الثاني في الطائرة إذا توقف المحرك الأول لتسقط بمن فيها.

إن “الميثاقيّة” يجب أن تحترم وتطبق عندما تطرح على مجلس الوزراء وعلى مجلس النواب مشاريع وقضايا مصيرية حددتها المادة 65 من الدستور، بحيث تحتاج الموافقة عليها الى الثلثين. أما المشاريع العادية فلا تحتاج الموافقة عليها إلا الى الاكثرية العادية او المطلقة. فهل ثمة من يجرؤ على رفض مشاريع تتعلق بمعيشة الناس وبمتطلبات الاوضاع الاقتصادية والمالية مثل القروض والهبات والمساعدات، ويتغيّب عن الجلسات التي تنظر في هذه المشاريع والمواضيع لأسباب سياسية أو خلافات شخصية ونكايات؟

لا شك في أن الناس سينبذون هؤلاء وسيكونون مع ما يتقرر في مجلس الوزراء وفي مجلس النواب من أجل الخير العام، لأن “الميثاقيّة” تكون قد تحققت بتأييد الناس وإن لم تتحقق من جانب بعض أهل السياسة لأسباب غير مبررة، وليتها كانت تؤثر على من يعطلون الانتخابات الرئاسية ليعودوا عن موقفهم. لذلك قرر الرئيس بري تجاوز “الميثاقيّة” بمفهومها السلبي ودعوة مجلس النواب للانعقاد لبت المشاريع الضروريّة والمهمة كونها تتصل بأولويات الناس وبمتطلبات الأوضاع الاقتصادية والمالية بعدما اقترب الخطر منها، واذذاك لا يعود ينفع شيء لانقاذ لبنان، ولا يعود حتى لانتخاب رئيس للجمهورية معنى وجدوى بعد أن تكون الجمهوريّة قد زالت.

إن المواضيع المهمة والقضايا المصيريّة تحتاج الموافقة عليها إلى إجماع أو إلى أكثرية الثلثين لأنها تتصل بأسس “الميثاق الوطني” التي لا يجوز إحداث خلل فيها وقد حددتها المادة 65 من الدستور. فإذا كان تعطيل الانتخابات الرئاسية يتم بإرادة خارجية وليس في يد لبنان حيلة، ويخل بالميثاق، فإن تعطيل عمل مجلس النواب وعمل الحكومة لا يخل بالميثاق فحسب، بل بلبنان هوية وكياناً وبوحدة الشعب والأرض والمؤسسات، والإجماع ليس مطلوباً على كل موضوع لأنه سيظل ثمة من يعارض لسبب من الأسباب. فتلامذة المسيح الـ12 وجد بينهم من باعه بثلاثين من الفضة عندما لم يجمعوا على رأي.

إلى ذلك، يصح قول من يقول إن حكومة ترضي جميع الناس بأعمالها خير من حكومة تجمع كل الاحزاب والكتل على تناقضاتها ولا ترضي أحداً. وهذا يطرح مجدداً فائدة تشكيل حكومات من غير النواب ومن تكنوقراط واختصاصيين وخبراء خصوصاً في ظروف معينة. فلو أن الحكومة الحالية كانت حكومة من غير النواب والسياسيين لكانت أكثر إنتاجاً وأكثر تعاوناً وانسجاماً، ولما كان لبنان واجه أزمة نفايات تعطل حلها نفايات سياسية، ولما كان لبنان واجه أزمة تعيينات وأزمة رواتب وخطراً يهدد الأوضاع الاقتصادية والمالية من جراء التوترات السياسية المهددة للاستقرار العام، والمماطلة في إقرار القروض والمساعدات والهبات، ما جعل البنك الدولي يبدي قلقه على لبنان ويحذره من المخاطر.

إن حكومات ما يسمى “وحدة وطنية” التي تجمع الأضداد ثبت فشلها وقلة إنتاجها، وصار لا بد من العودة إلى البحث مجدداً في مشروع فصل النيابة عن الوزارة الذي ينام في الأدراج منذ عهد الرئيس الياس الهراوي، وقد حاول الرئيس ميشال سليمان تحريكه لكن من دون جدوى لأن كثيراً من النواب يريدون أن يظلوا يجمعون بين النيابة والوزارة لتبقى المحاسبة ضائعة بين الضفتين وعدم معرفة من يحاسب من، خصوصاً عندما يصبح النائب – الوزير يحاسب نفسه بنفسه. فالحكومات تتألف من كل الأحزاب باسم “الوحدة الوطنية” الكاذبة هي حكومات تختصر مجلس النواب وتنهي دور المعارضة فيه والمحاسبة، فضلاً عن أنها غير منتجة نظراً إلى تضارب الآراء والمواقف بين أعضائها.

فليتحمل النواب الذين يتغيّبون عن الجلسات التي تقر المشاريع التي تهم الناس ومصلحة الوطن المسؤولية، وكذلك الوزراء الذين يتغيّبون عن جلسات مجلس الوزراء، فالبلاد باتت محكومة بضرورة التشريع وليس بتشريع الضرورة فقط.