اسبوع جديد من اسابيع المراوحة المعهودة تعيشه الساحة الداخلية اللبنانية، بانتظار فرج معروف الارتباط وان كان مجهول التوقيت، على وقع التطورات الاقليمية الدراماتيكية المتسارعة، من سوريا الى اليمن، وتحرك مصري مفاجئ نحو بيروت لم تتضح أهدافه، وان كان رافقه الكثير من الهمس والغمز عن جدول اعمال يذهب أبعد من الرئاسة وتعقيداتها، بعد محاولتها التي لم تبصر النور مطلع العام الجاري بالتعاون مع فرنسا.
زيارة طرحت اكثر من تساؤل في ظل الحركة الاقليمية الناشطة واعادة توزيع ورسم الادوار في المنطقة، حيث يجمع المتابعون على انه لا بد ان تكون أتت نتيجة تجمّع عوامل ايجابية شجعت القاهرة على تشغيل محركاتها مجددا، رغم ان الانطباعات الاولية المستقاة من تصاريح اللقاءات وكواليسها لا تدفع في هذا الاتجاه.
ينطلق المتفائلون، في هذا المجال، من ان القاهرة يمكن ان تكون أكثر الدول الاقليمية قدرة على تحقيق خرق في الازمة اللبنانية، اذا ما توافرت المناخات المناسبة في المنطقة، نظرا لشبكة علاقاتها الواسعة والمتينة اقليميا ودوليا، حيث القنوات مفتوحة بينها وبين الخليج كما بينها وبين طهران ما يسمح لها بالتواصل بسهولة مع الثنائي المؤثر في الملف اللبناني، فضلا عن انفتاحها على واشنطن وباريس، ودورها الايجابي في ملف مفاوضات السلام بين الفلسطينيين والاسرائيليين حيث تضطلع القاهرة بدور الوسيط بين طرفي النزاع.
التحرّك المصري الذي لا يبدو مختلفاً في جوهره عن طبيعة الحِراك الفرنسي المستمرّ حيال لبنان، مشكلا الوجه العربي المكمل للمحاولات الفرنسية، والتحرك العربي الاول من نوعه في اتجاه لبنان منذ بدء الازمة الرئاسية، خصوصا بعد التراجع السعودي والخليجي واسع عن الملف اللبناني، وسط خشيةٍ من انعكاسات هذا التراجع على ميزان القوى اللبناني بحيث يفيد منه المحور الايراني – السوري الممثل بـحزب الله، جاء ليؤكد على عدم ترْك لبنان وحده وسط التخلي العربي والدولي عنه، في خطأ استراتيجي غير مسبوق.
مصادر دبلوماسية متابعة اشارت الى ان الوزير المصري كان مستمعا في جزء كبير من لقاءاته مستطلعا مستمعا الى وجهات نظر من التقاهم في شأن الاستحقاق الرئاسي والسبل الكفيلة بإنجازه، «محذرا» من مخاطر استمرار الشغور وتداعياته السلبية على الاستقرار الداخلي سياسيا ،امنيا واقتصاديا، «ملحا» على ضرورة الاسراع في بلورة تفاهم داخلي لحل الازمة الرئاسية قبل ان تأتي رياح التسويات في المنطقة على حساب لبنان ، مع عودة الاطراف المتنازعة كلّها الى طاولة المفاوضات، بعد ان بلغ التصعيد أوجه في سوريا واليمن والعراق، ما يحتم ان يكون بدوره جاهزا لمرحلة التسويات، مؤكدة ان زيارة الضيف المصري توطئة وتمهيد يرجّح ان يعقبها، اذا صفت النيات المحلية والاقليمية، استكمال صورة حل لبناني ما، بدأت بلورته بوضع المعايير التي على اساسها سينتخب الرئيس العتيد، على ان يجري لاحقا تحديد هويته واسمه، في حال تعزز هذا التوجه «الايجابي»، وفقا لسير رياح التطورات في المنطقة.
المصادر اكدت ان شكري غمز من بوابة حزب الله عند حديثه عن حصرية الجيوش الوطنية في قهر الارهاب والتغلب على التكفير في رسالة بدت موجهة بالتحديد الى حارة حريك.
والى تأكيدها أن تحرك القاهرة يأتي تحت مظلة دولية أميركية – روسية – فرنسية وفاتيكانية وسعودية، رات المصادر ان ايران ربما باتت مستعدة لنسج تسوية «ما» مع مصر في شأن لبنان، نظرا الى ثقلها السني وحجمها ودورها في المنطقة، وبعد تعذر ذلك مباشرة مع المملكة العربية السعودية. واشارت الى ان مواقف الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله الاخيرة الانفتاحية تجاه الرئيس سعد الحريري وتبشير النائب محمد رعد بعده باقتراب موعد الانتخابات الرئاسية، توحي بتبدل ايجابي طرأ على موقف طهران.
قراءة تتعارض ورؤية اوساط سياسية مطلعة، اذ تؤكد ان هناك صعوبة لحل الازمة اللبنانية في المدى المنظور، وان لا انتخابات قبل نضوج الأوضاع في سوريا والاقليم، الامر الذي يتطلب أشهرا في حال انجزت التسويات بسرعة، مضيفة ان المسعى الغربي – المصري لفصل مسار الرئاسة اللبنانية عن مسار ازمات المنطقة، يصطدم بالجدار الايراني مع اصرار طهران على ابقاء ورقة الشغور في يدها الى ان تقبل الولايات المتحدة بالتفاوض معها، فتقايضها عندها بدور لها في الاقليم، هذا اذا لم تربط ايران الاستحقاق اللبناني بشرط بقاء الرئيس السوري بشار الاسد في منصبه وبمستقبل سوريا.
زيارة وزير الخارجية المصرية لبنان اثارت جملة اسئلة. هل يطلق شكري مبادرة تفضي الى انتخاب رئيس ام سيظل في اطار استمزاج الاراء وهي معروفة؟ ما هي مرتكزات هذه المبادرة خصوصا ان لا مؤشرات اقليمية او دولية عملية في هذا الاتجاه؟
في الانتظار، تطلع مصري للعب دور ايجابي في معاونة الاطراف اللبنانيين كافة للتوصل الى تسوية للاستحقاق الرئاسي هو خلاصة ما يحمله وزير الخارجية المصري سامح شكري الى بيروت مع السعي الى توفير ارضية مناسبة ليصر التفاعل والتفاهم اللبنانيين.