Site icon IMLebanon

هل نجرؤ على التفاؤل

منذ دخول لبنان في متاه الفراغ الرئاسي، وتعاظم انغماس المنغمسين في المحرقة السورية، لم يكن أحد ليجرؤ على التفاؤل، واذا تفاءل فانه لا يجرؤ على نصح أحد به، خصوصا مع الحضور الباهت للسلطة الحكومية، ومع نشوء أزمة العسكريين الرهائن لدى داعش والنصرة ورواج سيناريوهات القتل والتفجير تحوّل القلق الى هلع والخوف الى شبه انهيار.

ومع ذلك؛ ظلّ هناك من يؤمن بانبعاث لبنان من رماد هذه الأزمة، وبأن ثمة عناية دولية استثنائية، ان لم تكن لضمان استقراره، فلمنع انفجاره، بحكم اعتباره حلقة أساسية لمشروع استقرار المنطقة، خلافاً لما كان عليه الحال عام ١٩٧٥، حيث اعتبر يومذاك حديقة خلفية لتصفية الحسابات بين أنظمة المنطقة، تحت سقف الانتظام الدولي في ظلّ الحرب الباردة، التي تبخّرت مع انهيار منظومة الاتحاد السوفياتي، أي من دون الإخلال بالمعادلات الكبرى بين الشرق والغرب وروافدهما الاقليمية، لذلك سمح بانفجاره من الداخل، حتى استنفد الغرض مع استهلاك الأدوات المستهدفة، وفي رأس قامتها، المقاومة الفلسطينية، في لبنان ومنه.

الآن ومع الانخراط الدولي في لعبة التسويات الاقليمية، بعد اشتداد الأزمة السورية ومعها، العراقية وثالثهما اليمنية، بدا وكأن القوى الاقليمية المتورطة بلغت قناعاتها الحاسمة، بأن لا العبث بالمعادلات الكبرى هيّن، ولا تغيير قواعد الاشتباك ممكن، وبالتالي ان ما استحال تحقيقه بالعنف يمكن التوصل اليه بالتفاهم.

والتفاؤل الذي كان مستحيلاً قبل التفاهم على الحوار بين تيار المستقبل وحزب الله، بات ممكناً بعد فتح بوابة عين التينة لنادر الحريري والحاج حسين خليل ومن مع كل منهما من ممثلي كبار القوم.

فتح هذه الصفحة، بين قطبي الرحى في ٨ و١٤ آذار، فرض وهجه على الوجه المسيحي في هذه الثنائية المتعارضة، التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية.

هنا يسجل فضل المبادرة للدكتور سمير جعجع، الذي قرع باب الرابية فور عودته من الزيارة ما قبل الأخيرة للملكة العربية السعودية، عبر صديق مشترك هو رئيس المجلس العام الماروني الوزير السابق وديع الخازن، كما يسجل للعماد عون فضل التجاوب ولو بعد حين.

ولقد بدأ حوار المستقبل – حزب الله يعطي نتائجه، حتى قبل ان يبلغ مرحلة التفاصيل، ومن الثمار المحققة تراجع حدّة التشنّج المذهبي، وإبعاد قضية العسكريين الأسرى عن حدّ السيف، واقتناع أهالي العسكريين بأن الفاجر لا يستطيع ان يأكل مال التاجر دائماً، ومن تسنى له حضور أو متابعة الاحتفال الكبير الذي اقمته دار الفتوى في قاعة الرئيس الشهيد رفيق الحريري بمناسبة المولد النبوي الشريف والكلمات التي ألقيت فيه، والنقاط الخلافية الحساسة التي تطرق اليها الشيخ عبد الأمير قبلان ثم المفتي الشيخ عبد اللطيف دريان، بجرأة وشجاعة صادمة لمن دأبوا على الصيد في مياه التاريخ العكرة، يستطيع أن يدرك حجم التحول في المزاج الاسلامي العام على المستوى اللبناني… لقد اعتبر الشيخ قبلان أن من يشتم الصحابة أبو بكر وعمر وعثمان هو ابن حرام…. هذا الكلام ما كان ممكناً سماعه من مرجع شيعي أعلى، لولا القناعة المستجدة بضرورة وحتمية الخروج من ثنايا التاريخ الانقسامي، والانصراف الى رحاب الحاضر المشترك. وعندما طلب قبلان من المحتفلين أن يحبوا الامام علي، رضي الله عنه، هتفوا بصوت واحد، نحب علي كما نحب ابو بكر وعمر وعثمان…

المفتي دريان أضاف في كلمته محبة السيدة عائشة، رضي الله عنها، كما نحب صحابة النبي وآل بيته….

قد يكون سبّ الصحابة، هي حجة الاسلام الديني والسياسي على بعض الفئات الشيعية، هذه العادة المستوردة ظلت شائعة، حتى كان تصريح السيد هاشمي رفسنجاني، الذي أخذ على أتباع النظام الايراني أنهم ظلوا يسبّون عائشة، حتى ظهرت لهم داعش!..

لا شك ان المواقف التي اعلنت في احتفال المولد النبوي ستترك بصمات واضحة على ظاهر العلاقات السنية – الشيعية، خصوصاً اذا ما تسنى للحوار السياسي القائم في عين التينة أن يأخذ مداه، ويبقى هذا التحرك بمنأى عن أصحاب النوايا الخبيثة.

والمؤمل أن يصل حوار التيار والقوات، الذي لم يبدأ بعد، الى كلمة سواء في موضوع رئاسة الجمهورية، كما الكلمة السواء التي صدرت في احتفال المولد النبوي على المستوى الاسلامي…

فالظرف الدولي يبدو مساعداً، ومثله الاقليمي المرتبط به، فهل نجرب حك جلدنا بأظافرنا هذه المرة؟..