IMLebanon

هل تحتاج صياغة الحلول إلى «صدمة»؟

تحدّيات وضرورات واحتمالات ما بعد البلديات

استطاعت الانتخابات البلدية والاختيارية أن تشدّ الاهتمام الداخلي نحوها خلال الأسابيع الأخيرة. غاص الناس في اللوائح والتحالفات والمناكفات والتفاهمات والى آخر ما هنالك من تفاصيل على صلة بهذا الاستحقاق، ولكن مع انتهائها بعد الجولة الأخيرة في الشمال الأحد المقبل، ستذهب السكرة وتأتي الفكرة. ويصبح السؤال مشروعاً: في أي اتجاه سيسلك المشهد الداخلي؟ هل سيبقى أسير المراوحة المتحكّمة بكل المسارات الداخلية، أم أنه سيجد نافذة يعبر في اتجاه آخر تتحدّد معالمه وماهيته، بحسب التطورات والمستجدات؟ أم أنه قد يتعرّض لصدمة ما، تدفع به نحو صياغة حلول ومخارج للأزمة الراهنة؟

بحسب قراءة للمشهد السياسي، فإن الواقع اللبناني بات متكيفاً مع الفراغ الرئاسي والشلل الحكومي والتعطيل المجلسي، ولا سقف زمنياً لهذا التكيف، إلا أنه في الوقت الراهن محكوم بثلاثة محرِّكات له، صعوداً وهبوطاً:

ـ طاولة الحوار الوطني، التي لم تصل بعد الى اي مكان، بل ويقدر لها ان تصل الى «لا مكان»، على حد تعبير احد المعنيين بها، نظراً للافتراقات الحادة والجذرية بين القوى السياسية الذين يهمسون بإنجاز وحيد لها يتجلى بإعادة انعاش الحكومة وفكفكة العقد التي كانت تعترض مسارها.

مع ذلك، وحتى ولو لم يكن هناك طائل من الحوار، يبقى ضرورة، بل حتى ولو كان فقط لمجرد التقاط الصورة وجلوس الأطراف المختلفين حول الطاولة، وهذا ما تم تأكيده في الجولة الحوارية الاخيرة، بعدما طرحت فكرة الاستعاضة عن الحوار بعقد خلوة متواصلة لايام عدة، اما ان يتم الوصول خلالها الى نتيجة، واما الاعلان امام الرأي العام عن فشل الحوار.

هذا الشرط الأخير أخاف المتحاورين فأجمعوا على ان لا مصلحة في إعلان فشل الحوار وإيقافه، بل الاستمرار فيه حتى ولو ادى ذلك الى لا نتيجة. ولقد نقل عن الرئيس نبيه بري قوله في هذا السياق «تخيّلوا لو أن الحوار الوطني مقطوع، وكذلك حوار تيار المستقبل وحزب الله، مجرد مشكل صغير في أي مكان، هل من يضمن إلا يتفاقم ويشعل حريقاً».

ـ جلسات اللجان النيابية المشتركة التي تدور حول طبخة البحص الانتخابية، والاحتمال الأقوى هو أن تصل ايضاً، الى «لا مكان»، أي الفشل في صياغة قانون انتخاب جديد بديل للقانون الحالي الذي يتمسك به أكثر من نصف القوى السياسية وفي طليعتهم المتضررون من اعتماد النسبية، ويخشون منها لأنها قد ستشكل حتماً «المنفِّس» لأحجام وهمية نفخها النظام الاكثري الحالي، ولا تنسجم مع حجم التمثيل الحقيقي والواقعي، وكذلك الذين يخشون أن تنتزع النسبية منهم اكثريات نيابية منحهم إياها النظام الاكثري نفسه، وجعلهم اوصياء على السلطة التنفيذية.

ـ الحرب الأميركية على «حزب الله» والحصار المصرفي والمالي على الحزب، ودور المصرف المركزي اللبناني، وكذلك المصارف اللبنانية، في الالتزام بالموقف الأميركي والاستجابة لضغط الادارة الاميركية وبالعقوبات على «حزب الله»، الى حد بدت فيه هذه الاستجابة في نظر الحزب، أقرب الى «الشراكة» في هذه الحرب، من دون الأخذ في الاعتبار ارتداداتها السلبية والكارثية على البلد بشكل عام، وعلى شريحة واسعة من اللبنانيين بشكل خاص.

أمام هذه المحركات للواقع اللبناني، يبقى باب الاحتمالات مشرعاً على مصراعيه، فالحوار ثبت أنه محاولة جدية لتحدي المراوحة السلبية رئاسياً وسياسياً، وأقصى ما يمكن الوصول اليه هو إبقاء باب الامل مفتوحا على امكانية بلوغ حلول ومخارج وتفاهمات في لحظة ما.

كذلك الأمر بالنسبة الى اللجان المشتركة، التي انعقدت ايضاً، من خلفية التحدي للمراوحة السلبية حول القانون الانتخابي. وأقصى ما يمكن الوصول اليه هو انعقاد جلسات اللجان المشتركة دون توقع نتائج حقيقية، لكن مع ترك باب «التمنيات» مفتوحاً على إمكان حصول صدمات إيجابية وربما سلبية في وقت ما، توجب على الكل صياغة القانون الانتخابي المثالي.

وأما حرب العقوبات الأميركية على «حزب الله»، فهي تعكس وجهاً آخر من الاشتباك الإقليمي والدولي القائم. وبالتالي هي حرب مفتوحة على كل الاحتمالات، خاصة وأن جبهة الحلول فيها مقفلة ومعقدة.

ألقى الأميركيون الكرة في الملعب اللبناني، مع ترك باب الاحتمالات مفتوحاً على سلبيات اضافية. ولأن المواجهة قد لا تبدو متكافئة، يعتقد معنيون بهذه الحرب، أن أقصى ما يمكن أن يصل إليه الأمر في هذا المجال هو «الاحتواء»، الذي هو بديل التصعيد والمواجهة المباشرة التي إن حصلت فسيكون ذلك مدمراً وكارثياً على الوضع اللبناني.

يرى هؤلاء المعنيون أن الضغط ثقيل، ليس على «حزب الله» وحده بل على كل لبنان، وهذا يفترض استنفاراً لبنانياً رسمياً احتوائياً لهجمة القوانين الأميركية، ربما يكون لمصرف لبنان دور تقني في المواجهة الاحتوائية اللبنانية لتلك الهجمة، وربما يكون لمجلس النواب دور أساسي في وضع التشريعات اللازمة القادرة على درء خطر العقوبات، وأما سياسياً فهنا يأتي دور الحكومة اللبنانية التي يفترض أن تحول هذه الهجمة الأميركية الى قضية تهدد الاستقرار، وتتولى تسويقها ومعالجتها في المحافل الدولية.