Site icon IMLebanon

هل نضع على الطاولة  ما في عمق الصراع؟

كان الرئيس شارل حلو يقول عند كل أزمة انه لا يستطيع تشخيص المرض في لبنان. لماذا؟ لأنه اذا فعل ذلك يصبح من الصعب جلب الدواء، والأصعب استخدام الدواء. لماذا مرة أخرى؟ لأن ما سمّي الالتباس الخلاّق كان في رأي ميشال شيحا وبقية حكماء الجمهورية الأولى من ضرورات القدرة على ترتيب الأمور بين العائلات الروحية في الموزاييك اللبناني الدقيق والحسّاس. فالوضوح الكامل في المواقف يساهم في سدّ الطريق على التسويات. والصيغة السحرية لادارة الحكم هي سوء التفاهم المتفق عليه.

وهذا ما يبدو ان المعنيين رسميا وعمليا بتأليف الحكومة يمارسونه، مع ان الدنيا تغيّرت كثيرا في لبنان وحوله. فاللعبة تدار في العلن بالدوران حول العناوين والعقد الظاهرة على السطح في أزمة التأليف. والكل تقريبا حريص على مداراة اطلاق المواقف التي تكشف ما في العمق، وان كانت الاشارات والرسائل المرمزة شغالة في كل الاتجاهات في الداخل وبين الداخل والخارج. واذا كانت عملية الأخذ والرد مركّزة على الحقائب والحصص في الحكومة، فان الصراع هو على الحصص والمواقع في الجمهورية، وعلى موقع لبنان في صراع المحاور الاقليمية، وحصة أي محور سيكون.

ولا أحد يجهل ان الحكومة هي جزء من المشكلة، من حيث المفترض ان تكون جزءا من الحل، أقله بالنسبة الى مهمتها الأساسية: اجراء الانتخابات النيابية على أساس قانون انتخاب جديد. فهي جزء من المشكلة اذا تعثرت ولادتها طويلا، بصرف النظر عن شكلها. وهي في الخلاف المعلن وسيلة لتحقيق أهداف في الصراع المستتر. ولا فائدة من التصرف كأن الأهداف غامضة في حين ان الوسائل واضحة. ولا مهرب من وضع المطالب الحقيقية على الطاولة وبدء حوار صريح حولها بين المسؤولين.

ذلك ان المسائل الأساسية التي يدور حولها الصراع لن تختفي بعد تأليف الحكومة في وقت ما. ولن تجد أيضا حلا لها بمجرد التفاهم على تأليف الحكومة. فالمتغيرات التي حدثت في لبنان بالنسبة الى موازين القوى، والمتغيرات التي حدثت وتحدث في المنطقة، وخصوصا في سوريا والعراق واليمن، تجاوزت أيام الالتباس الخلاّق وحيلة سوء التفاهم المتفق عليه الى أيام الوضوح. ولا بد من المصارحة ومواجهة التحديات من أول الطريق. أولا لتشخيص المرض. وثانيا لجلب الدواء واستخدامه.

وعلى كل طرف ان يدرك ان من المستحيل ادارة لبنان بارادة طرف واحد ومصالحه وحاجاته، سواء كانت محصورة هنا أو ممتدة الى مشروع اقليمي كبير. ولو كان ذلك ممكنا لما تفادى لبنان الوقوع في حرب أهلية، وحافظ على الطابع السياسي للصراع.