لم تصحّ حتى الآن توقّعات الادارة الأميركية وهي أن ايران ستغير سلوكها وسياستها في المنطقة بعد إقرار الاتفاق النووي وتساهم في توفير الأمن والسلام فيها ولا تظل عنصر اضطراب وتوتر، كما أن توقعاتها لم تصحّ عندما قالت إنها ستعمل على تغيير سلوك الرئيس بشار الأسد في المنطقة، ولا سيما في لبنان، تجنباً لتداعيات تغييره هو بالذات، فكانت النتيجة أن أياً من إيران وسوريا لم تغيّر سلوكها بل حاولت أن تجعل أميركا هي التي تغير سلوكها حيال هذين البلدين.
الواقع أن تغيير سلوك الرئيس الأسد كان ينبغي أن يبدأ بالموافقة على مبادئ مؤتمر جنيف وليس بمواصلة الحرب المدمرة التي يتدخل فيها أكثر من دولة وطرف وباستمرار سقوط مزيد من القتلى والجرحى معظمهم من الشيوخ والنساء والأطفال، ومزيد من أعداد النازحين واللاجئين السوريين الى دول قريبة وبعيدة.
وتغيير سلوك النظام في إيران كان ينبغي أن يبدأ بوقف تسليح، وتمويل، جماعات أو مجموعات سياسية أو حزبية أو مذهبية للتسلّط على الدولة وهزّ الاستقرار فيها ونشر الفوضى العارمة التي تشكل أفضل بيئة لاحتضان الارهاب. فلو أن إيران أرادت فعلاً تغيير سلوكها خصوصاً بعد الانتخابات الرئاسية التي فاز فيها الشيخ حسن روحاني، لكان القتال توقف في اليمن وفي العراق وسوريا، ولكان تم انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان ولم يكن استمرار الشغور الرئاسي سبباً لتعطيل عمل الحكومة وعمل مجلس النواب وشل حركة المؤسسات. وعندما تعمل إيران على تحقيق كل ذلك، فلا تعود في حاجة الى الاستمرار في تمويل وتسليح مجموعات أو جماعات سياسية أو حزبية أو مذهبية تحقيقاً لاهدافها وطموحاتها التوسعية في المنطقة، بل تتحوّل المجموعات من مسلحة تثير القلق والرعب وتعكّر الأمن داخل كل دولة الى مجموعات تعارض سياسياً وبالوسائل الديموقراطية المشروعة وليس عسكرياً باستخدام شتى أنواع العنف ولتجعل الأقلية المسلحة تتحكّم بالأكثرية العزلاء.
لقد أمل الكثيرون في أن يكون عهد الرئيس الايراني الجديد عهد تحقيق آمال الاصلاحيين في الداخل وتحقيق قدر أكبر من الحريات وانتهاج سياسة خارجية تحقق مصالح ايران وترفع كل العقوبات عنها لانعاش الاقتصاد، وإقامة أفضل العلاقات مع دول المنطقة وخصوصاً مع دول الجوار بالتوقف عن التدخل في شؤونها الداخلية، وهو التدخل الذي أساء ولا يزال يسيء الى هذه العلاقات ويجعلها في توتر دائم. لكن تبيّن أن عهد الرئيس روحاني يواجه صراعاً بين مراكز القوى في إيران بحيث بات ميزان القوى الجديد أكثر تعقيداً مما كان يعتقد. فالرئيس روحاني قد يكون فرداً في فريق ربما يكون مصراً على مواصلة السياسة ذاتها بحيث لا يعود لدى الكثيرين ثقة بالنظام الايراني إذا لم يغيّر سلوكه وسياسته بالانفتاح على الدول لا سيما منها المجاورة، ويبدو أن لا تغيير لسلوكه ما لم يتغير النظام ذاته الذي ينتظر بعض المراقبين حصوله بعد فوز جناح الاصلاحيين على جناح المحافظين المتشددين.
لقد سئل الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية عمرو موسى كيف يرى ضبط التوازن في المنطقة اقليمياً وعربياً، فأجاب: “إن التوازن في المنطقة مختل عربياً بسبب تراجع الدور المصري، وأرجو أن يكون ذلك موقتاً، وأن هذا التوازن يتطلب دوراً سعودياً – مصرياً ومعهما دول عربية لاعادة التوازن وإنهاء حال الخلل، وكذلك دول المغرب العربي في ظل الأوضاع الخطيرة في ليبيا والتي تؤثر على تونس ومصر وربما على الجزائر والمغرب في اعادة رسم السياسات العربية”. وشدد على “أهمية اعادة صياغة العلاقات العربية مع الدول العظمى بما يحقق المصلحة العربية ويحفظ أمن المنطقة واستقرارها”. وأضاف أن “المنطقة العربية قد تواجه ما هو أسوأ من تنظيم داعش إذا لم تتم مواجهته على أسس واضحة لا تعتمد على العمل العسكري فقط وحتى على الجهود التي يقوم بها التحالف الدولي… فتنظيم داعش ليس المشكلة الأساسية عند العرب لانها في بدايتها ونهايتها ليست إلا جزءاً من ميليشيات موجودة، إنّما المشكلة هي في التحديات التي تهدد العالم العربي مثل سياسات التفرقة والسياسات الطائفية والأقليات وانعدام الخطة للتعامل مع المستقبل والالتباس في ما يتعلق بعلاقة العالم العربي والاسلامي والانفراجات الكبرى من حيث العلم والتعليم والمعرفة”، لافتاً الى ان “التفكير يدور حالياً حول نظام اقليمي جديد ونظام عربي جديد، وأن الأزمات تشهد مفاوضات في ملفات اليمن وليبيا وسوريا والعراق، إلا أنه يخشى أن يكون الحل بادارة الأزمات والملفات كما حصل مع الملف الفلسطيني لأن كل حل مرهون بالحفاظ على مصالح أصحاب الحل”.
فهل تكون القمة السعودية – المصرية بداية رسم استراتيجية تضع حداً للتدخل في الشؤون الداخلية لأي دولة في المنطقة كي يعم الأمن والأمان في المنطقة بالتوصل الى حل شامل لكل الأزمات ومنها خصوصاً الأزمة الفلسطينية – العربية مع اسرائيل؟