في مثل هذه الايّام من العام 2014، كان الحوثيون (انصار الله) في طريقهم الى صنعاء التي استكملوا سيطرتهم عليها في الواحد والعشرين من أيلول من تلك السنة. كان ملفتا ان دخولهم العاصمة بالطريقة التي دخلوها بها تذكّر بطريقة سيطرة «حزب الله» على وسط بيروت في العام 2007 حيث اعتصم افراده مع ممثلين لاحزاب تابعة له، بعضها مسيحي، لمدة شهور عدّة.
فعلها «حزب الله» في بيروت بتغطية من تظاهرات «عمّالية»، لا علاقة لها لا بالعمّال ولا بما يمت اليهم بصلة. كانت التظاهرات موجّهة ضدّ حكومة الرئيس فؤاد السنيورة وقتذاك.
فعلها «انصار الله» بعد سبع سنوات في صنعاء، بصفة كونهم تلامذة نجباء لـ«حزب الله»، تحت غطاء تظاهرات تعترض على ما سمّي «الجرعة». كانت «الجرعة» جانبا من إجراءات ذات طابع اقتصادي اتخذتها الحكومة اليمنية التي كانت موجودة في تلك المرحلة لتمرير زيادة في أسعار مواد استهلاكية معيّنة، إضافة الى المحروقات، لخفض العجز في الموازنة.
تبيّن في نهاية المطاف ان الحوثيين ليسوا في الواقع سوى تلامذة مطيعين في مدرسة واحدة لا هدف لها سوى الاستيلاء على السلطة. أراد «حزب الله» استكمال السيطرة على بيروت، كلّ بيروت، الى ان اكتشف ان ذلك ليس ممكنا على الرغم من غزوة السابع من أيار 2008 التي ما لبث ان وضع لها حدّا بعد تنفيذ بعض مآربه وليس كلّها.
لم تنجح غزوة بيروت السنّية والجبل الدرزي كلّيا لسبب في غاية البساطة يعود الى ان الجانب الآخر من العاصمة اللبنانية، الجانب المسيحي – ما دام يجب تسمية الأشياء باسمائها – قاوم الطابور الخامس لـ«حزب الله» ومنعه من توسيع غزوته. كانت بيروت الشرقية بين العوامل التي افشلت مخطّط الطابور الخامس، التابع لـ«حزب الله». كانت مستعدة مثلا لاستقبال «تلفزيون المستقبل» الذي اجتاحه مسلّحو «حزب الله» بوقاحة ليس بعدها وقاحة بغية تمكينه من البثّ مجدّدا.
امّا الجبل الدرزي فصمد الى حد كبير وتبيّن ان الاستيلاء عليه واخضاعه ليس بالسهولة التي تعتقدها ايران، المحرّك الحقيقي لـ«حزب الله». كان الدروز (بنو معروف) على استعداد للموت دفاعا عن ارضهم وشرفهم وكرامتهم بعد استباحة «حزب الله» لكلّ القيم والمبادئ الاخلاقية التي لا يزال لها بعض الوجود في الجبل اللبناني.
هل صنعاء طريدة سهلة لـ«انصار الله» في حين ما زال «حزب الله» يواجه صعوبة في اخضاع بيروت؟
قاوم اللبنانيون المتمسّكون ببلدهم وقيمه وسيادته وحرّيته، وما زالوا يقاومون «حزب الله» ما يحاول فرضه من قيم. يحاول الحزب فرض قيم محدّدة على مجتمع لا علاقة له بكلّ ما هو مرتبط بنظرية ولاية الفقيه التي هي موضع خلاف شيعي. فكيف عندما يتعلّق الامر بمجتمع متنوّع ومستنير، في معظمه، مثل المجتمع اللبناني كان أبناء الطائفة الشيعية فيه في طليعة كلّ ما هو تقدّمي وحضاري وما هو خصوصا بعيد عن التزمت والمذهبية.
كانت النتيجة بعد اجتياح بيروت في العام 2008 التوصل الى اتفاق الدوحة الذي جاء بالعماد ميشال سليمان رئيسا للجمهورية. ما لبث «حزب الله» ان انقلب على اتفاق الدوحة وذلك بانقلابه على الحكومة التي شكّلها وقتذاك سعد الحريري والتي كانت اقرب الى حكومة وحدة وطنية ومصالحة اكثر من ايّ شيء. كان الهدف الاوّل لسعد الحريري في تلك الفترة تفادي فتنة طائفية ومذهبية. كان الزعيم الدرزي وليد جنبلاط شريكا في هذا التفكير الذي جعله يتعالى عن أشياء كثيرة جعلته يظهر في مظهر من ينفّذ انقلابا على حركة «الرابع عشر من آذار» بهدف حماية طائفته الصغيرة المهدّدة.
مثلما انقلب «حزب الله» على حكومة سعد الحريري، انقلب «انصار الله» على اتفاق «السلم والشراكة» الذي وقعوه، بعد سيطرتهم على صنعاء، مع الرئيس الانتقالي عبد ربّه منصور هادي الذي سهّل لهم بلوغ العاصمة. لم يتصدّ عبد ربّه منصور هادي لهم في محافظة عمران حيث قضوا على نفوذ آل الأحمر، زعماء حاشد، ثمّ على اللواء 310 بقيادة العميد حميد القشيبي الموالي للفريق علي محسن صالح، نائب رئيس الجمهورية حاليا.
ذهب آل الأحمر والقشيبي واللواء 310 ضحيّة اعتقاد الرئيس الانتقالي انّه قادر على التفاهم مع الحوثيين والتوصل الى صفقة معهم باشراف ممثّل الأمين العام للأمم المتحدة جمال بنعمر ومباركته. ما حصل ان بنعمر كان شاهدا على توقيع اتفاق «السلم والشراكة»، لكنّه لم يستطع فرض أي بند من الاتفاق. كان بنعمر شاهد زور على عملية وضع عبد ربّه منصور في الإقامة الجبرية واجباره على تقديم استقالته التي ما لبث ان تراجع عنها بعد هربه من صنعاء الى عدن في شباط 2015.
ما زالت بيروت تقاوم «حزب الله» والقيم التي حاول فرضها على المدينة في مرحلة معيّنة. هل في استطاعة صنعاء متابعة مقاومتها. هذا هو السؤال الكبير الذي يفرض نفسه هذه الايّام بعد تطويق «انصار الله» للرئيس السابق علي عبدالله صالح وسعيهم الى تحويله، مع حزبه، الى مجرّد تابع لهم بعدما كان شريكا في المعادلة التي فرضت نفسها بعد الواحد والعشرين من أيلول 2014، يوم سقوط صنعاء. يومذاك، خرج عبد الملك الحوثي بخطابه المشهور الذي يتحدّث فيه عن «الشرعية» الثورية«وعن طي صفحة الجمهورية في اليمن. أراد بكل بساطة القول ان نظاما جديدا قام في صنعاء. هناك عودة للامامة لا اكثر ولا اقلّ. يجب دفن الجمهورية التي قامت في السادس والعشرين من أيلول- سبتمبر 1962 واحلال الامامة التي كانت قائمة قبل ذلك مكانها.
هناك تاريخ جديد لليمن يسعى»انصار الله«الى كتابته، تماما مثلما يحاول»حزب الله«كتابة تاريخ جديد للبنان وللجمهورية.
ما لا يمكن تجاهله ان اولئك الذين عرفوا في البداية بـ»الشباب المؤمن«ليسوا سوى ارتكاب من ارتكابات علي عبدالله صالح الباحث دائما عن توازنات يمنية معيّنة يتمكن من خلالها حكم اليمن. هل فشل علي عبدالله صالح هذه المرّة في إيجاد توازن جديد مع أولئك الذين صنعهم؟
ستكون الايّام والاسابيع المقبلة حبلى بالاحداث في اليمن. سيتوقف الكثير على ما اذا كانت صنعاء ستكون قادرة، بدعم من محيطها، على الصمود في مواجهة الهجمة الحوثية التي تعني قبل ايّ شيء انّ في الإمكان العودة بالامامة الى جزء من اليمن، أي الى صنعاء ومحيطها.
تكمن مشكلة علي عبدالله صالح في انّه كان يعرف سلفا ان الحوثيين سينقلبون عليه يوما. سبق لهم ان فعلوا ذلك في العام 2003 عندما واجهوه في اثناء وجوده في صعدة واطلقوا في وجهه صرختهم المعروفة»الموت لاميركا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للاسلام«. كانت النتيجة مواجهة بين الجانبين استمرت بين 2004 و 2010 واتخذت شكل حروب حقيقية.
هل هناك معطيات تسمح باستئناف الحروب بين الجانبين، ام يضطر الرئيس السابق للاستسلام والجلوس في بيته لضمان سلامته تاركا لاهل صنعاء والمناطق المحيطة بها تقرير ما الذي يريدونه فعلا. هل يستسلمون لـ»انصار الله» ام يتابعون المقاومة كما يفعل اهل بيروت واللبنانيون الذين يرفضون الاستسلام لحزب يعرفون تماما انّه ليس سوى ميليشيا مذهبية تابعة لإيران تريد تغيير نمط حياتهم قبل أي شيء وتحويل لبنان مجرّد مستعمرة تابعة لإيران ومرتعا للبؤس والجهل والسلاح غير الشرعي…