ليس لإيران أن تعطي دروساً في إدانة الاعدام. فسجلها يمنحها المرتبة الأولى، عالمياً، كما حال سجنها الشهير “رجائي شهر” الذي ينافس غوانتانامو الاميركي، على مرتبة مماثلة.
والحال، ان تابعي طهران في لبنان يعرفون ان صفحتها في حقوق الانسان غير مشرّف، وهم لا يدعون الى إدانة الرياض من زاوية رفض الاعدام، كعقوبة، بدليل ان من أصل 47 أعدموا في المملكة العربية السعودية، لم يهتموا سوى بالنمر، لسبب مذهبي، وليس لأنه كائن بشري يجب احترام حقه في الحياة. فهؤلاء، أنفسهم، لم يدينوا يوماً أي عملية اعدام شهدتها ايران، على كثرتها، وبين المحكومين دعاة سنة ايرانيون، فيما السعودية نفسها، لم تعبر يوما عن موقف من ذلك، لاقتناعها بأن سيادة الدول تشمل أحكام قضاء كل منها، واتخاذ موقف هو مخالفة للعلاقات بينها. حتى انها لم تبد موقفا يوم حكمت طهران بإعدام 27 داعية وشيخاً من أهل السنة بتهمة “محاربة الله والإفساد في الأرض، والدعاية ضد النظام”.
وكانت منظمة العفو الدولية كشفت العام المنصرم عن إعدام إيران 852 شخصاً بينهم 8 أحداث، بين حزيران ونهاية العام الماضي، ولم يشفع لهم شهر رمضان الذي وقع في الفترة المذكورة. هذا السجل يجعل موقف طهران تدخلا في الشأن السعودي، ويثبت أطماعها المذهبية، وسعيها لتحويل الشيعة العرب إلى جاليات فارسية في بلادهم، وهو نهج اتبعه الصهاينة في اسرائيل مع اليهود في دول العالم، ونجحوا في تكريسه، إلى حد فرض الخدمة العسكرية في جيشها على كل يهودي.
لكن ذلك ليس أول “صهينة” للنهج الإيراني، فالإعلان قبل مدة عن هيمنة طهران على 4 عواصم عربية، ليس بعيدا عن احتلال اسرائيل المباشر للقدس. فالاحتلال والهيمنة صنوان، وسمتهما المشتركة شق العالم العربي، باختلاق هوية متمايزة لهذه الفئة أو تلك، تبرر مناكفة الغالبية العربية، والانفصال عنها، إما بكيان مستقل مغتصب، وإما بهيمنة على القرار السياسي في الدول القائمة. الفارق، ان المشروع القديم أراد، مبدئيا، مساحة محددة من المنطقة العربية، هي فلسطين، بينما الجديد أراد أن يكون بلا حدود لهدف واحد: وضع مصير المنطقة في يد المحتل أو المهيمن، أو في يديهما معاً، وفي آن واحد.
قد ينبري محتج الى رفض هذا التشابه، والنظر إليه من زاوية الإساءة المعنوية لإيران، والتنكر لما تزعمه من مصلحة اسلامية. لكن الجماعات البشرية اعتادت ان يستلهم بعضها من تجارب بعض.
عمليات الإعدام لا تزال مطبقة في دول كثيرة وتستحق الإدانة، لكن بلا انتقائية، وأيضا بلا مذهبية، وليس بمنطق “طبيب يداوي الناس وهو عليل”. ومن يرفض اعدام من يطالب بانفصال القطيف، عليه أن يقبل باستقلال الأهواز وبلوشستان ومناطق الأرمن والآذريين وغيرها ووقف إعدام المطالبين به.