Site icon IMLebanon

أطبّاء.. نقباء.. وباحثون أخذوا مكان أهل الفن والسياسة

 

ضيوف شاشات “الكورونا” نجوم صف أول… وكومبارس

 

في أقسى مباراة تخوضها الإنسانية ضد فيروس قاتل تتجه الأنظار نحو اللاعبين ويصبحون وحدهم نجوم المرحلة. أطباء، نقباء، باحثون، مستشارون ورؤساء لجان طبية هم اليوم أبطال الحلبة بلا منازع، أزاحوا أهل السياسة والفن والتنظير عن الأضواء واحتلوا الشاشات وأثير الإذاعات، وفي المعركة المفتوحة ضد الفيروس لا صوت يعلو فوق أصواتهم وإن تفاوت التصنيف بين نجوم صف أول وكومبارس…

وجوه باتت ضيوفاً يومية على شاشاتنا، ألفناها وصرنا ننتظر إطلالتها لننهل منها أخبار الجائحة ونأمل بعلاجات ناجعة تخرج من أفواهها. لم تعد أية إطلالات أخرى تثير اهتمامنا، فلا أخبار السياسة المجترة تحرك فينا وتراً ولا أخبار أهل الفن بقي لنا جلد عليها. وحدهم أبطال الصحة صاروا رفاق يومياتنا معهم نتذكر ردّية مشجعي فريق الحكمة: “حكمة قبل النوم، حكمة بعد النوم، حكمةع الترويقة وحكمة كل دقيقة…”.

 

أعلى “رايتنغ”

 

الإعلامي طوني خليفة كان أول من خصص مساحة لـ”كورونا” في برنامجه الأسبوعي، وعبر منبره أطل د. روي نسناس بطلاً قومياً وصوتاً وقوراً واثقاً، إستطاع بصدقيته وإحاطته بموضوع الفيروسات ان يدق جرس الإنذار الأول في لبنان ويجعل الناس يتسمّرون أمام شاشاتهم للإصغاء الى ما يقوله، كما كانوا يفعلون مع “فلاشات” صوت لبنان إبّان الحرب الأهلية. عنه يقول طوني خليفة: “هذا الطبيب الذي لم يكن بحاجة الى شهرة ويتطلب الحصول على موعد منه اشهراً، وضع نفسه في خدمة الناس مع بداية الجائحة ولم يتردد بتكريس وقته لتوعية اللبنانيين وتحذيرهم وإرشادهم. بأسلوبه المباشر الصريح أثّر في الناس وساهم في حثهم على البقاء في بيوتهم واعتماد وسائل الحماية، حتى صارت إطلالته الإعلامية خط الدفاع الحقيقي للبنان في وجه “كورونا”.

مع انتشار الجائحة صار الوضع الصحي أولوية مطلقة على الشاشات وباتت الحلقات الحوارية التي تتناول موضوع “الكورونا” وتستضيف طبيباً معروفاً، تشهد “رايتنغ” أعلى بكثير من الذي تشهده الحلقات السياسية أو الاجتماعية العادية، وفق ما يؤكده لنا طوني خليفة. إستنفر الإعلاميون لنشر التوعية وبدأت المحطات تتنافس في استضافة الأطباء في برامجها الحوارية والإخبارية وحتى الكوميدية: أسماء محلية من داخل الحدود أو ممن اغتربوا في أصقاع الأرض وبنوا نجاحاتهم في مستشفيات العالم، بحيث صارت اسماء جون هوبكينز وجورج تاون ومايو كلينيك أقرب الى أسماعنا من مستشفى الروم والزهراء والمعونات… وعبر الشاشات ولد نجوم جدد.

 

د. علي المقداد أطل مراراً من الولايات المتحدة كونه مسؤولاً في إدارة الرئيس ترامب الصحية ليحذر اللبنانيين مما ينتظرهم، إن استمرت المعالجات الحكومية لمشكلة “كورونا” على ما هي عليه. حضوره المتكررعلى الشاشة والمنتقد للسياسات الصحية أثار جدلاً كبيراً بين الأطباء والمسؤولين على حد سواء، وبات بعضهم يرفض الظهور معه، وفق ما يخبرنا طوني خليفة، ليتبين في ما بعد أن كل ما حذر منه وصلنا اليه ولا سيما بالنسبة لتزايد الحالات وأعداد الوفيات.

د.مارون الخوري المدير الطبي لمؤسسة DiagnosTechs احتل مكانة رفيعة على شاشاتنا، وصارت كل إطلالة له من لبنان أو من خلف البحار تثير خضة في اوساط الجمهور اللبناني المتلهف لسماع خبر موثوق من خبير. بصوته الجهوري المشوب بلكنة أميركية بسيطة أطل ليطمئن شعب لبنان ويؤكد على مقولة “لا داعي للهلع”، وليدعو الى تجنب المبالغة والتضخيم وبث حالة الذعر بين الناس. “حبيب قلبه لبنان”، كما يقول، لذا لم يغب عن شاشاته المختلفة وبرامجه الكثيرة وإن كان للـ otv حصة الأسد بينها.

 

بدوره البروفسور فيليب سالم أثلج قلوب اللبنانيين حين أطل من وراء البحار بنصيحة سرعان ما انتشرت كالنار في الهشيم على مواقع التواصل الاجتماعي، تفيد أن الأسبيرين يشكّل العلاج المثالي لفيروس كورونا في بدايته ويمنع الجلطات الدماغية والرئوية، فيما الكورتيزون يحدّ من الالتهابات غير الجرثومية في الرئتين. وتناقل الشعب الغارق في الموجة الثانية من الجائحة هذه النصيحة الآتية من بروفسور يملك كل الصدقية والثقة، وتهافت على شراء الأسبيرين وتخزين ما توافر في الصيدليات من أدوية الكورتيزون.

 

من الولايات المتحدة، وبريطانيا وفرنسا حل الأطباء والباحثون ضيوفاً مكرمين على شاشات لبنان، البروفسور ديديه راوولت شكل ظاهرة طبية لافتة لاقت نجاحاً في لبنان أكثر منه في مارسيليا-فرنسا، ورافق الإعلام أبحاثه عن دواء هيدروكسي كلوروكين وبات هو الحدث في لبنان، المتعطشة شاشاته الى إنجاز طبي قبل أن ينطفئ بريقه ويغيب عن الاضواء.

 

أما الحدث الإعلامي الأكبر الآتي من وراء البحار فكان استضافة مارسيل غانم لرئيس شركة موديرنا صانعة اللقاح المنتظر نوبار آفيان، الأميركي المولود في بيروت لأبوين أرمينيين من أصول بلغارية، بعدما قلده رئيس الجمهورية وسام الاستحقاق اللبناني. إطلالته رفعت منسوب الفخر عند اللبنانيين وان تمنوا أن يسمعوا المزيد منه. حاول مارسيل غانم الاستفادة من وجوده ليسأله عن علاجات وأدوية لكن ثقافته الأميركية منعته من الحديث بما يجهل، فهو ليس طبيباً وليس مخولاً الحديث عن علاجات، وحده اللقاح الذي عملت عليه شركته هو الحل وأكثر من ذلك لا يسمح وقته بالكلام…

 

 

بين الأصلي والمزيّف

 

على وقع تطور جائحة كورونا وأمواجها اختلف الضيوف الذين استقبلتهم الشاشات. ففي بداية انتشار الوباء كان أطباء الأمراض الجرثومية والمعدية أبطال الساعة، يشرحون، يحللون ويحذرون في كافة البرامج ويضعون الشعب على بيّنة من وباء غامض حيّر الكرة الأرضية بأكملها. د. روي نسناس كان نجم الحجر الأول وبوصلته، وقد افتقده اللبنانيون مؤخراً على شاشاتهم كما اشتاقوا الى د. جاك مخباط الذي شكل مع د. نسناس ثنائياً أحبه الجمهور، فالرجلان طليقان في الكلام لا يخلوان من حس الفكاهة رغم فداحة الأزمة ويستطيعان التنقل على كل الشاشات برشاقة لم يعرفها سياسي لبناني من قبل.

 

الدكاترة عيد عازار، ناجي عون وجورج جوفيليكيان اسماء ارتفعت اسهمها في بورصة الإطلالات الإعلامية وبات لها جمهورها الذي يأمن لآرائها وتوجيهاتها الطبية، وحتى لانتقاداتها حول المتحدثين من خارج الاختصاص وما أكثرهم.

 

ومع استمرار الجائحة استساغ بعض الأطباء اللعبة الإعلامية وصاروا يستغلون “الوسايط” للظهور في البرامج التلفزيونية، كما يخبرنا طوني خليفة، وبعضهم، على ندرتهم، حولوا الأمر الى بزنس او ربما الى Show off واتقنوا لعبة الصراخ والجدل على الشاشة، وراحوا ينددون باللقاحات المنتظرة ويسهبون في نظرية المؤامرة. فكان بينهم كما في كل المهن الأصلي والمزيف، الصادق والوصولي والنجم كما الكومبارس… ومعهم استساغ بعض الإعلاميين اللعبة ذاتها وصار البحث عن “الرايتنغ” و”السكوب” اقوى من الدافع الإنساني ورسالة التوعية.

 

أبطال جدد

 

وصول الموجة الثانية من جائحة كورونا وارتفاع عدد الإصابات في لبنان خلط الأوراق من جديد ووضع النظام الصحي في لبنان تحت ضغط غير مسبوق هدد، مع الأزمة الاقتصادية، بانهياره. إنقلبت الأدوار على الشاشات وبدأ مسلسل مختلف أبطاله د. فراس الأبيض مدير مستشفى رفيق الحريري الحكومي ود. عاصم عراجي رئيس لجنة الصحة النيابية ونقيب الأطباء د. شرف ابو شرف.

 

ورغم انشغالاته الكثيرة صار د. فراس الأبيض فارس الشاشات ومحبوب الصحافة والناس بوجهه المحبب وخطابه الهادئ الذي يدخل القلب مباشرة رغم هول ما ينبئ به. فمدير مستشفى الحريري لا ينفعل، لا يؤنب لا يلقي بالمسؤوليات على الناس بل يعرض الواقع المخيف كما هو ويحذر من العواقب برويّة. وما لا يتمكن من البوح به على الشاشة يقوله بتغريداته عبر “تويتر” التي باتت مرجعاً لوضع الجائحة ومصابيها في لبنان.

 

على غراره د. عاصم عراجي الرجل الصامت والنائب الكتوم تحول فجأة الى صوت هادر واحتل الشاشات والإذاعات، مباشرة وعبر “زووم” أو عبر الهاتف كاد يكون مثل “د. داهش”، حاضراً في كل مكان في وقت واحد. كالصوت الصارخ في برّية اللجان لم يتوان عن إطلاق النداء تلو النداء لإغلاق البلد واتخاذ إجراءات التعبئة الضرورية لإنقاذ الأرواح. بإنفعال غير معهود من قبله وبحماسة قل نظيرها بين النواب، يجادل ويشرح ويفرض وجهة نظره كطبيب على الأرض أولاً وكرئيس لجنة الصحة النيابية ثانياً.

 

حرب النقباء

 

مع اشتداد أزمة القطاع الصحي برزت على الساحة الإعلامية وجوه كانت في ما مضى مجهولة او نادرة الإطلالات هي وجوه نقباء القطاع الصحي: نقيب الصيادلة غسان أمين، نقيب اصحاب المستشفيات سليمان هارون، كريم جبارة نقيب مستوردي الأدوية وسلمى عاصي نقيبة مستوردي المستلزمات والمعدات الطبية. صار الجمهور يعرف وجوههم وحفظ مشاكلهم ومناشداتهم وتحذيراتهم التي يكررونها على كل الشاشات، من استحقاقات المستشفيات لدى الحكومة الى رفع الدعم عن الدواء مروراً بضرورة دفع الـ”فريش موني” لاستيراد الأدوية والمعدات الطبية… دخلوا كل بيت لبناني لكن هل دخلوا قلوب اللبنانيين؟ سؤال تصعب الإجابة عليه.

 

رشدي أباظة…

 

إقتراب موعد اللقاح وانشغال الدولة به أوجد نجماً ازداد سطوعه مع توليه رئاسة اللجنة الوطنية لإدارة اللقاح هو د. عبد الرحمن البزري، الذي باتت إطلالته التلفزيونية تفوق “إطلالات رشدي أباظة بزماناته”، على حد قوله لـ”نداء الوطن”. لا يرفض طلباً لقناة تلفزيونية او محطة إذاعية ويطل عبر مؤتمرات إفتراضية على مواقع التواصل الاجتماعي، ويجيب باستفاضة لافتة على اسئلتنا عبر الهاتف. تقلب المحطات من شاشة الى أخرى تجده يشرح آلية اللقاحات ويبدد المخاوف في شأنها ويحث المواطنين على أخذها. يتابع اللقاح الأميركي والبريطاني والصيني ويتحرى عن الروسي ويشرح عنها بالتفصيل ويجد الوقت ايضاً لإطلاق النكات.

 

فاليوم يقول لنا ضاحكاً ما عاد أحد قادراً على الكذب بشأن عمره بفضل اللقاح ولا بوزنه بسبب دواء الأيفرمكتين. “ما عم لحق”، يعترف صراحة لكنه يحاول ألا يرفض مقابلة إلا إذا كان مشغولاً بأخرى لأن هذا برأيه واجب وطني، و”الكورونا” عدو يجب استنفار كل الجهود لمواجهته. “نحن أطباء ودورنا مواجهة الوباء ولو لم يعجبنا الوضع السياسي في البلد. خروجنا الى الإعلام ليس حباً بالظهور بل لنعطي ما يفيد المجتمع من خلال خبرتنا”.

 

نسأله من أين يأتي بهذا الشغف للحديث عن اللقاحات اليوم وكيف اكتسب هذه الطلاقة في الكلام التي يفتقدها الكثير من الأطباء؟ يجيبنا: “ليست لدي مشكلة مع وسائل الإعلام مطلقاً ارتاح بالظهور على الشاشات، كما صار بيني وبين معظم الإعلاميين علاقة ثقة وتفاهم، يتفهمون اعتذاري أحياناً ويعرفون أنني جاهز للإجابة متى استطعت، لكني أحب أن أعرف من هو الضيف الآخر الذي سيكون معي في الحوار، ولا يزعجني اي ضيف يتكلم بأسلوب علمي حتى ولو خالفني الرأي، لكن ما يزعجني فعلاً هي تلك الشخصيات التي يأتون بها من آخر الدنيا لتتكلم في مواضيع علمية ويدّعي احدها مثلاً أنه بروفسور، في حين انه بنقرة واحدة يمكننا ان نعرف موقعه العلمي وانجازاته الطبية. الإعلام الحر الليبرالي المنفتح يلعب دوراً مؤثراً جداً اليوم وإطلالة إعلامية واحدة مدروسة باتت تغني عن 500 محاضرة علمية بجمهور محدود. لكن المهم أن يبتعد الإعلام عن “السكوبات” لا سيما المفتعلة منها، فالوقت ليس ملائماً لها”.

 

نسأل د. بزري من جديد ألا يشعر أنه بات مستهلكاً على الإعلام؟ فيجيبنا: بصراحة بلى، ولا شك ثمة أطباء اشطر مني وأفهم، يقول، لكن الهدف إيصال الفكرة وليس من يقوم بإيصالها. لبنان مليء بالكفاءات البشرية وأطباؤه مميزون وأتمنى ان يطل كل الزملاء على الإعلام ليعطوا رسالة هادفة”. يعترف د. بزري بحدوث إطلالات عشوائية على الشاشات وقد حاولت نقابة الأطباء تنظيمها لكن الحاجة الى المعلومات كانت أكبر وصار تنظيم الإطلالات صعباً. د. بزري متناغم مع كل الشاشات على اختلاف سياساتها ومع كل اللجان على اختلاف قراراتها، فهو ملمّ بموضوعاته يعبر عنها بحماسة قل نظيرها ويوصل الرسالة المطلوبة حول اللقاحات باسلوب مقنع، منطقي، وبطلاقة لغوية يحسده عليها الكثيرون.

 

نجمة النقابيين

 

بعض الوجوه التي أطلت على الإعلام شكلت مفاجأة إيجابية للجمهور ومنها نقيبة الممرضات والممرضين د. ميرنا ضومط. لم تكن بعيدة عن الإعلام وكأستاذة جامعية لديها المهارات المطلوبة، وفق ما تقوله لنا لإيصال الرسالة بشكل سلس وواضح الى تلامذتها. وكباحثة تعرف كيف تتوجه الى الحضور لتقدم أبحاثها وتتلقى الاسئلة وتجيب عنها. تعرف جيداً كيف تتجنب الأفخاخ الإعلامية وتتفادى الوصول الى حيث لا تريد فتعيد توجيه الحديث الى حيث يجب. وقد خضعت لأكثر من دورة تدريبية بهذا الشأن. حين تسلمت رئاسة النقابة وضعت لها شعاراً: الإعلام في التمريض، وذلك إيماناً منها بضرورة إطلالة النقابة على الإعلام لعرض إنجازاتها وللحصول على التقدير المطلوب. نسألها إذا كانت الكاميرا تربكها؟ الكاميرا ليست غريبة عني، تقول، ولا تربكني مطلقاً لأن تركيزي يكون منصباً على الرسالة التي أودّ إيصالها والتي تكون واضحة في ذهني. أحكي لغة الناس وأوصل المعلومات بأبسط طريقة ممكنة وهذا برأيي دور الممرضة.

 

وماذا عن الإطلالات المكثفة للقطاع الصحي،ألم يمل الناس منها؟ لا شك أن الإطلالات كثرت جداً وصارت سيفاً ذا حدين، فالناس بحاجة الى توعية لكنهم ملّوا وداخوا لكثرة المعلومات وباتوا يبحثون عن برنامج مريح ومسلٍّ. من هنا تؤكد النقيبة ضرورة تنسيق الإطلالات الإعلامية بين مختلف القطاعات الصحية بعيداً من التنافس والتضارب في الآراء والتركيز على الأشياء الإيجابية ومنها اللقاح. شخصياً، تحاول ان تفوض متحدثين آخرين من النقابة ليتحدثوا باسم نقابتهم ولكن حين يصرّ البعض على حضور النقيبة لا بد ان تستجيب.