التمريض غير ممكن “أونلاين” والمصل لا يُعلّق عبر تطبيق “زوم”
“روح واقرأ شهادة الموت”، هذا ما آل اليه المشهد على ابواب المحطات حيث الوضع “فلتان” والمشاكل لا تعدّ ولا تحصى وتستعمل خلالها السكاكين والرصاص، حتى دفع بمعظهم للقول “رايح عالموت”، فلا احد يعرف متى يقع المشكل، والأدوات التي تستخدم فيه في سباق الناس للحصول على تنكة بنزين، باتت صعبة المنال على المحطات التي اقفل 90 بالمئة منها في منطقة النبطية تفادياً للاشكالات وانتظاراً لرفع السعر، والتي فتحت يسيطر عليها “الشبيحة” الذين يملأون خزانات سيارات الاغنياء لقاء بدل، أما المواطن فيحرم من البنزين او يصل ليله بنهاره علّه يحظى بـ60 ألفاً منه، في حين تغرق السوق السوداء بالمادة، اذ سجل الغالون سعة 10 ليترات 250 و 300 ألف ليرة لبنانية.
عشرات الجرحى بالسكاكين على المحطات نقلوا الى المستشفيات لتلقي العلاج، غير ان لا ممرضين داخلها لمداواة جروحهم، فالممرضون كما الاطباء يقفون في طوابير الذل، عاجزين عن تأمين بنزين ليصلوا الى المستشفى، بدلاً من الوقوف في غرف الطوارئ والعمليات لانقاذ المرضى.
فالجيش الابيض الذي وقف في صف المواجهة المباشرة مع “كورونا”، يقف مذلولاً عند أبواب المحطات، هذا ما تقوله الممرضة هلا التي تضطر للانقطاع عن عملها لايام في مستشفى النبطية الحكومي لعدم توفر مادة البنزين في سيارتها، واحياناً تضطر لملء فراغ ممرض وممرضة غائبين لنفس السبب.
“للأسف نحن نذلّ بدلاً من ان نكرّم”، تقول هلا وهي تستعدّ لمغادرة لبنان الى العراق اسوة بعدد كبير من زملائها في المستشفى، فـ”الوضع بات خطيراً، ولا يبشر بأي انفراج ويعز عليَّ أن اترك تعب 20 عاماً من الخدمة لأرحل، فالمعاش لا يكفي مادة البنزين غير المتوفرة الا في السوق السوداء”.
يواجه الجيش الابيض خطراً كبيراً، فالمستشفيات تعاني نقصاً من الكوادر التمريضية بسبب البنزين، بعضهم فضّل السفر وترك البلد، والبعض الآخر يواصل كفاحه للحصول على المادة والوصول الى المستشفى ليعاين المرضى، فهذه المهنة لا يمكن انجازها “أونلاين” والمصل لا يعلق للمريض “عبر زوم” ولا حتى العملية الجراحية تتم من دون ممرضين”، كل ذلك يضع هذا القطاع على كف عفريت. وفق هلا فإن الوضع مأسوي، وهناك من ينام داخل المستشفى ليتفادى أزمة المحروقات، ولكن الى متى سيبقى الوضع على حاله”؟
أما مشرفة المريض ديما الحاج فلها قصة أخرى. هي تقطن في بلدة عدلون الصرفند، وتعمل في مستشفى نبيه بري الجامعي، كانت تتدبّر امرها بداية، غير انها تعجز منذ أسبوع عن الدوام في المستشفى بسبب نفاد سيارتها من المخزون. حتى بطاقتها التمريضية لم تشفع لها، وفق قولها “بقيت اكثر من 9 ساعات في صف البنزين وفي النهاية خلص البنزين قبل ما عبّي”. لا تخفي ديما قلقها من تدهور الواقع الصحي بسبب فقدان الكادر التمريضي، وتبدي خشيتها من تفاقم الوضع أكثر وتجاهل الممرضين والاطباء، إذ ترفض المحطات تزويدهم بالمحروقات رغم ان لهم الاولوية، وتضرب مثلاً “الجريح على المحطة ماذا سيحل به اذا وصل الى المستشفى ولم يجد ممرضاً يداويه، ربما سيفقد حياته، لماذا يعاقبوننا بالبنزين ونحن الجيش المخلص للجميع”؟ وتأسف انها لا تستطيع الحضور لدوامها لمتابعة عملها “حتى أني عرضت بطاقتي على احدى المحطات فأجابني: “وقفي بالدور”، ولكن هل يقف المريض بالدور؟ طبعاً لا، مهنتنا انسانية ويجب ان يتم وضع حدّ لهذا الامر”.
تفكر ديما كما بقية زملائها في الهجرة، وبدأت تحضّر أوراقها للسفر الى المانيا رغم أنها كانت ترفض الفكرة “اريد ان أحمي نفسي وأؤمن مستقبلاً لابني الوحيد، في هذا البلد ما بقى قادرين نعيش”.
عادة ما كان يقال: “إشتدي ازمة بتنفرجي” غير ان ازمات لبنان لا فرج ولا حول لها، على العكس تزداد تعقيداً، فإذا كان الجيش الابيض في مآزق والاطباء يعجزون عن الحضور الى المستشفيات ويعتذرون على صفحاتهم لانه يصعب عليهم تأمين البنزين، وفي ظل تفشي كورونا السريع وامتلاء الاسرة مجدداً ما يعني أننا مقبلون على ازمة خطيرة جداً ومشهد موت الناس على ابواب المشافي بسبب احتكار البنزين والمازوت بات سيناريو متوقعاً، طالما البنزين للمحسوبيات والاطباء محرومون منه بدلاً من ان تكون لهم الأولوية. فما الذي ينتظرنا في المقبل من الايام؟