القطبة المخفية وراء تأجيل استحقاق نقابة الأطباء…
تشهد نقابة الأطباء في بيروت منذ فترة بلبلة إنتخابية وتراشقاً إعلامياً أعطى لانتخاباتها المنتظرة طابعاً سياسياً على الرغم من نفي المعنيين. فما بين الدعوة الى تأجيل انتخابات مجلس النقابة والإصرار على إجرائها في موعدها يشتد التراشق الإعلامي بين نقيبها د. شرف أبو شرف وفئات معارضة على رأسها قطاع الأطباء في تيار المستقبل. فما حقيقة ما يجري في النقابة وهل الأمر مجرد إجراء قانوني كما يقول المعارضون أم له خلفية سياسية تنبع من خلفية النقيب الحزبية؟ وما دور براءة الذمة المالية للنقابة في ظل هذه المعمعة؟
ما تنافس نقابيان إلا وكانت السياسة ثالثهما، فالعمل النقابي في لبنان لا يمكن فصله عن زواريب السياسة حتى ولو تنصّل النقابيون من أحزابهم بعد الفوز، فالاستقلالية هنا لا تعني العمل النقابي الحر، بل الاستقلال عن أحزاب السلطة ونادرة هي النقابات الكبرى في لبنان التي لم تتلوث بفيروس السياسة وخير برهان ما يحدث اليوم في نقابة الأطباء.
فانعقاد الجمعية العمومية للنقابة كان يفترض أن يتم في الحادي عشر من شهر أيار الماضي بعد تأجيل انعقادها أكثر من مرة في العام 2020 بسبب جائحة كورونا، لكن مجلس النقابة اتخذ قراراً بتأجيل الجمعية العمومية حتى موعد انتهاء التعبئة العامة في شهر أيلول 2021. وتمت دعوة المجلس للانعقاد في 29 حزيران ولكن هنا وقعت المشكلة إذ ان مجلس النقابة تعذر عليه الانعقاد نظراً الى انتهاء مدة ولاية ثمانية من أعضائه ورفض هؤلاء المشاركة بأي اجتماع قبل الحصول على رأي قانوني بشأن وضعهم في النقابة، وتجنباً للمماطلة وتضييع الوقت في انتظار الرأي القانوني دعا النقيب د. شرف أبو شرف الى جمعية عمومية عادية يتم في خلالها انتخاب ثمانية اعضاء جدد لمجلس النقابة وعضوين للمجلس التأديبي ومراقب عام لصندوق التقاعد ومساعدين له وذلك في دورة اولى نهار السبت 2 تشرين الأول ودورة ثانية نهار الأحد 17 تشرين الأول، الأمر الذي رأى فيه البعض مماطلة و تأجيلاً للانتخابات ورأى فيه آخرون خرقاً لقوانين النقابة وتعالياً عليها.
وأصدر قطاع الأطباء في تيار المستقبل نتيجة ذلك بياناً أورد فيه أنه من المؤسف ما تشهده نقابة الأطباء من خرق للقوانين حيث أن لا نصاب قانونياً لعقد أي جلسة، بعد إنتهاء ولاية 8 أعضاء من أصل 16 عضواً، ودعا البيان نقيب الأطباء إلى الكف عن مخالفة القانون، والإسراع في تلبية نداء الأطباء للدعوة استثنائياً عبر وزارة الصحة، باعتبارها وزارة الوصاية حالياً، إلى تعيين مواعيد جديدة للانتخابات، بعد إخفاق النقيب ومجلسه في تعيينها ضمن المهل القانونية.
تأجيل قانوني او سياسي؟
اتصلنا بنقيب الأطباء للاطلاع على حقيقة ما يحدث في النقابة وسبب تأجيل الانتخابات؟ فكان جواب النقيب “انا أريد الانتخابات أمس قبل اليوم، وحين طلب مجلس الدفاع الأعلى السنة الماضية تأجيل الانتخابات اعترضت على ذلك وطالبت بتلقيح الموظفين على صناديق الاقتراع لكن وزير الصحة لم يعتبر تلقيحهم أولوية ما اضطرنا الى تأجيل الانتخابات. في هذه الأثناء انتهت مدة ثمانية من أعضاء مجلس النقابة وهؤلاء رفضوا ان يجتمعوا معتبرين ان مهلتهم القانونية قد انتهت وطلبوا رأي هيئة الاستشارات في وزارة العدل عن طريق وزارة الصحة. ولكن من جهتنا وفي الدائرة القانونية للنقابة وعبر رأي القاضي غالب غانم تبين لنا أن وضعهم يبقى قانونياً لحين اجتماع الهيئة العامة، لكنّهم أصرّوا على الحصول على رأي محايد، وقانوناً لا يمكن التوجه الى وزارة العدل من دون المرور بوزير الصحة”. وهنا يؤكد النقيب ابو شرف انه توجه بثلاث رسائل في هذا الشأن الى وزير الصحة لكنه لم يلق منه رداً على أي منها. ويضيف “أنا متضرر من تأجيل الانتخابات الذي يشل الحركة النقابية وقد سعيت بكافة الوسائل لضمان حدوثها لكن الأعضاء المنتهية مدتهم طعنوا بأول دعوة، أنا لم أخالف القوانين وعينت موعداً للانتخابات، في حين ارتفعت اصوات تقول ان وزير الصحة يجب ان يعين الموعد، لكن في الواقع النقيب هو من يقوم بذلك فوزارة الصحة ليست وزارة وصاية بل ان النقابة تعمل بإشراف وزارة الصحة وقد طلبت من الدائرة القانونية توضيح هذا الأمر لمنع أي التباس”.
لكن يبدو أن كل ما يتصاعد من أصوات ليس نتيجة أمور قانونية وحسب بل أن السياسة تلعب دورها مرة جديدة في ما يثار من اعتراضات، من هنا نسأل النقيب ما هي الخلفيات السياسية للحملة التي تطاوله وتطالب بتعيين مواعيد جديدة للانتخابات باسرع وقت؟
يقول النقيب “إن المستفيدين أكثر من جهة فتيار المستقبل، بحسب قوله، يسعى الى كسب الأصوات عن طريق المطالبة بالحق والحقوق للأطباء في حين أنه يورد أدلة خاطئة ويقوم ببث الشائعات لأسباب سياسية انتخابية”. كذلك لا ينفي النقيب دور الحراك الذي يسعى دوماً للاستفادة من اية ثغرة واعتبارها مخالفة للقوانين حتى يظهر للناس أن السلطة القائمة على اختلاف توجهاتها ليست أهلاً للثقة ولا بد من تسليط الضوء على أخطائها حتى وإن لم تكن اخطاء بالمعنى الصحيح ويؤكد قائلاً “مطالب المعارضة هي مطالبنا كالعمل تحت سقف النقابة بكل شفافية وعلمية وتحسين الأوضاع المالية والاجتماعية والاقتصادية والقانونية للأطباء وهي امور عملت عليها في ولايتي السابقة وأدت الى اصدار عدة قوانين تاريخية منها قانون تمويل صندوق التقاعد الذي انقذ النقابة من الإفلاس”. ويتساءل النقيب عن سبب عدم رد وزير الصحة على المراسلات المتكررة والتلكؤ في إعطاء موعد للبت في قضية الأعضاء المنتهية ولايتهم بدون اي تبرير.
” يا حق لم تترك لي صديقاً” هكذا ينهي نقيب الأطباء شرح ما جرى ويؤكد انه حين انتخب نقيباً علق انتماءه السياسي وصرح انه ينتمي الى الحق والقانون فقط وهذا ما حمل الأحزاب المختلفة على تأييده ودعمه وهو إنما يعمل اليوم تحت سقف القانون وباق على عهده تجاه الزملاء والنقابة في هذه الظروف العصيبة التي يتمنى لو كان خارجها حتى يرتاح.
ضد التأجيل
وكانت فئات مختلفة قد طالبت بعدم تأجيل انتخابات النقابة تحت أي ذريعة ومنها منظمة القمصان البيض التي أكّدت منذ شهر نيسان الماضي على أهمّية إجراء الانتخابات النقابية في موعدها المستحق حتى لا يتمّ ضرب العمل الديموقراطي التمثيلي الصحيح، خصوصاً أن نصف أعضاء المجلس النقابي سيتمّ انتخابهم في عملية الاقتراع المقبلة، مؤكدة أن الانتخابات النقابية هي المنفذ الأوحد للتعبير الديموقراطي للأطباء، وعدم إجرائها يضرب الثقة الدولية بمؤسسات لبنان ونقاباته.
وكانت ندوة الأطباء في حزب الكتائب بدورها قد اصدرت منذ شهر نيسان الماضي بياناً تطالب فيه الحكومة بعدم منع أو إلغاء انتخاب 8 أطباء لسنة 2021، والمضي قدماً بقبول طلب نقابة الأطباء بإجراء الانتخابات مع الطلب إلى نقيب الأطباء وعدد من أعضاء مجلس النقابة، إجراء الانتخابات في وقتها.
توجهنا بالسؤال الى النائب في كتلة الجمهورية القوية الطبيب فادي سعد عن رأيه في تأجيل انتخابات نقابة الأطباء وما تثيره من بلبلة فأكد لنا أن القوات اللبنانية لن تعلق على أي سجال في هذا الشأن لأن في ذلك تعمية عن الموضوع الأساسي وهو ضرورة إجراء الانتخابات النيابية المبكرة. فالانتخابات النقابية على أهميتها لن تغير شيئاً وكائناً من كان نقيب الأطباء لن يستطيع إحداث أي تغيير في ظل الوضع القائم. وأكّد سعد أن السفينة تغرق والاهتمام في مكان آخر. ولكن عموماً يقول “من المستهجن تأجيل اية انتخابات نقابية ولا سيما أن الطبقة السياسية يناسبها إبقاء الأمور على حالها، ورغم كونها مختلفة عن الانتخابات النيابية إلا ان انتخابات النقابات يمكن ان تعكس المزاج الشعبي وتخلق حالة نفسية تعيد الاعتبار الى الديموقراطية. لكن اليوم يؤكد سعد ان اي صراع آخر غير الانتخابات النيابية هو مضيعة للوقت”.
حسابات ضائعة وبراءة ذمة معلّقة
بعيدأ عن الشؤون القانونية والسياسية والانتخابية تبقى هناك مشكلة عالقة في نقابة الأطباء قد تكون هي القطبة الخفية في كل ما يحدث فالنقابة تعاني من غياب براءة الذمة المالية عن السنوات الممتدة من 2015 الى 2018 بحسب النقيب ابو شرف لعدة اسباب أبرزها عدم وجود فواتير وعدم مكننة الحسابات على الرغم من سعيه للتصحيح في الدائرة المالية. ويؤكد ان ثمة حسابات ضائعة لا أحد يعرف اين هي تعود بمعظمها الى المؤتمرات والجمعيات. فكل جمعية كان لها حسابها الخاص الذي لا يخضع لرقابة النقابة وهو أمر غير قانوني وبرأيه على كل الجمعيات ان تمر بالنقابة حتى لا يتم إنفاق اي مبلغ إلا من خلالها وقد تم ّوضع نظام جديد للجمعيات العلمية والمؤتمرات للتدقيق في الحسابات يؤمن الشفافية ويصحح الوضع القانوني للجمعيات التي لا شخصية معنوية لها وفي حال الخطأ المقصود او غير المقصود تقع التبعات المالية والقانونية على النقابة. لكن حتى اليوم لا يزال ثمة علامات استفهام حول حسابات قديمة ليس فيها اية فواتير ولم تمر عبر المكننة. وقد قدرت كلفة التدقيق بهذه الحسابات بغية تصفيرها 400000 دولار وهو مبلغ هائل بحسب النقيب لن يصل الى نتيجة ولن يؤدي الى عودة المبالغ المختفية، لذلك لن يقبل بتدقيق مكلف ينتفع منه البعض ولا يؤدي الى نتيجة، بل سيطرح المشكلة امام الجمعية العمومية علها تعطي إذا اقتنعت براءة ذمة عن هذه السنوات تتيح المضي بالانتخابات، اما إذا لم تقتنع فستبقى هذه المشكلة المالية عالقة او يتم التوجه الى القضاء وهو أمر لا يحبذه النقيب بسبب الوقت والكلفة مع نتيجة صفر ومن الأفضل طي هذه الصفحة والمضي قدماً ولكن يبقى القرار للهيئة العامة.