Site icon IMLebanon

راهـبٌ يقتلُ الملك

 

في الأنظمة الديكتاتورية الطاغية، كلُّ مقالةٍ لا تبدأ بتمجيـدِ الحاكم تُعتبـرُ مقالةً «بتْـراء» تعرِّض صاحبها للبتْـر.

 

والخطبة «البتْـراء» هي التي لا تُستَهلُّ بتمجيدِ الله، وقد اشتهَـر بها «زياد بن أبيـه» أحدُ أبـرز خطباء بني أُميّـة، سُمِّـيَ بابن أبيـه، لأنه كان مجهول الأب، فاعتُبرتْ أمُّـهُ إذ ذاك زوجةً مطلَّقة.

 

ونحن أيضاً شعبٌ مجهولُ الأب، والدولة عندنا أمٌ مطلّقة طلاقاً صريحاً بالثلاث:

بالسلطة التشريعية، والسلطة التنفيذية، والسلطة القضائية، وقد ارتكبَتْ فواحشَ القبائح ودنَّستِ الأرضَ بالفضائح.

 

الدولة أمٌّ طالق لأنّها متّهمة بالخيانة العظمى:

خيانة الدستور، وخيانة المسؤولية، وخيانة السلطة، وخيانة الشعب…

 

والشعب هو الركن الأساسي للدولة ، فلا دولة بلا شعب، ولا شعب بلا دولة، ولا دولة بلا حكم، ولا حكم بلا حكومة، ولا حكومة بلا مجتمع وإنسان، ولا إنسان بلا حـرّيةٍ، ورفاهيةِ عيشٍ وكرامةِ حياة.

 

الدولة المدنيّة طالق لأنها تمذْهَبتْ بمذهبَيْـن:

– مذهب الطائفية الذي طبعَتْ بـهِ الوطن بالتنافر، وطبَّعتِ الشعب بالتطرف المذهبي.

 

والتطرّف المذهبي يتحوّل إلى صـراعٍ مذهبي…

 

والصراع المذهبي يحتِّـمُ الإستنجاد بالخارج الأجنبي…

 

والإستنجاد المذهبي بالأجنبي الخارجي يحتِّـمُ الولاء السياسي للخارج الأجنب…

 

– ومذهب الفوضوية الذي ظهر في القرن التاسع عشر بعد فشل محاولات الإصلاح الإجتماعي، وهو الذي يجسّد الفردية ويُلْـغي الدولة وكـلَّ أشكال الحكم الديمقراطي.

 

أحد ُ فلاسفة المذهب الفوضوي الإلماني «ماكس ستيرنر»، يدعو إلى «تدمير الدولة والمجتمع والأخلاق لأنّها تشكّل في نظره أوثـاناً…»

 

هذا المذهب قد خلَـق في أوروبا ملوكاً وقادةً فوضويّـين تحوّلوا إلى مجرمين، حتى غـدت الرؤوس المتوّجة بدورها مهدّدة بالإغتيال بسبب فداحةِ الفتْـكِ بالشعب.

 

والشعب المقهور كما يقول المفكّر الإيطالي «جوان دي ماريانا» هو كالحيوان يصبح شرساً عندما يشعر بأنّه مهدّد في حياته، وعندما يسقط القانون يدافع عن نفسه بالعنف، إنْ لم يكن بالثورة الشعبية فبالإغتيال الفردي.

 

إنّه السبب الذي جعل «بروتس» يغتال القيصر بالخنجر، فاعتبره المؤرِّخ اليوناني «بلوتارك» مثلاً أعلى للمواطن الروماني.

 

والفتاة الفرنسية «شارلوت كورداي» إبنة الخمسة والعشرين عاماً إغتالت بالخنجر رئيس حـزب اليعاقبة «جان بول مارا» المشهور بالتطهير السياسي، فاعتُبرتْ رمـزاً من رموز الثورة الفرنسية وأطلق عليها الشاعر الفرنسي «لامرتين» لقب ملاك الإغتيال.

 

وهنري الثالث ملك فرنسا خـرَّ صريعاً بخنجرِ أحد الرهبان لأنّ رجال اللاّهوت أبلغوه بأنّ قتْـل الطاغية عملٌ مشروع وشرفٌ خالدٌ لفرنسا.

 

الأمثلة على ذلك كثيرةٌ في التاريخ…

 

وحتّى لا يتكرّر المشهد عندنا بما ينطبق علينا في مختلف وجوهِـهِ فيصبح الإغتيال شرفاً وطنياً وكهنوتيّاً.

 

فليكن الطلاقُ إذاً، لأنّـه يظـلّ أفضل من الإغتيال.