تعهّد رئيس المجلس الدستوري عصام سليمان أمام الصحافيين والرأي العام أمس أنّ نصاب المجلس سيكون مضموناً عندما سينظر هذه المرة في الطعن الذي سيتقدم به نواب «التيار الوطني الحر» ضدّ التمديد. فما الذي استند اليه في تعهّده وما هي النتائج المرتقبة للطعن؟
فاجأ رئيس المجلس الدستوري الدكتور عصام سليمان الإعلاميين واللبنانيين عندما تعهد بأنّ المجلس أقفل أبوابه امام تدخلات السياسيين ووضع حداً لها. وجاء كلامه إيذاناً بأنّ تجربة تعاطيه العام الماضي مع الطعون في قانون التمديد السابق لن تتكرّر.
فالجميع استذكر مع صدور القانون الجديد التجربة التي رافقت النظر في الطعون التي رفعها امامه كلّ من رئيس الجمهورية ميشال سليمان ونواب “التيار” انفسهم، في القانون السابق للتمديد، فشلَّ بعض اعضائه نصابه القانوني ولم يتمكّن من إصدار ايّ قرار في دستوريته ولا في تأجيل الإنتخابات النيابية.
حضر سليمان هذه المرة امام الإعلاميين من مكتبه الفخم، يحيط به عن يمينه عضوا المجلس الدستوري الشيعيان اللذان ساهما في تعطيل النصاب العام الماضي أحمد تقي الدين وبسام مرتضى، وتوسّطهما توفيق سوبرة، وغاب عن المؤتمر العضو الدرزي المشارك في التعطيل أيضاً القاضي سهيل عبد الصمد والذي اعتذر عن الحضور لسبب وجيه يتصل بوفاة احد أقاربه وليس بهدف “التعطيل”. وجلس عن يساره العضوان زغلول عطية وانطوان مسرة.
على هذه الخلفية، ظهر سليمان واثقاً من وحدة المجلس الدستوري. فقدم عرضاً تاريخياً لنشأته ومهماته، نافياً ما يسري على لسان بعض السياسيين والإعلاميين بأنّ المجلس معطل.
واستذكر في المناسبة حجم القرارات التي صدرت منذ تسلمه مهماته في 5 حزيران 2009، كاشفاً أنّه أصدر في هذه الولاية 29 قراراً من بينها 20 في الطعون النيابية و9 قرارات في دستورية القوانين، منها ستة قرارات في العام الأخير، كلّها في دستورية القوانين وابطلت بموجبها نصوص قانونية وآخرها ما يتصل بالطعن في دستورية قانون الإيجارات.
ويأتي هذا الإحصاء ليدل على أنّ المجلس اصدر في ولايته – التي قيل إنها معطلة – ما يوازي ثلث القرارات الصادرة عنه منذ نشأته عام 1994، والتي بلغت 95 قراراً في ولايتين سابقتين لكلٍّ من الرئيسين وجدي ملاط وامين نصار.
ظُهر امس، جاءت الجردة التي قدمها سليمان وتعهّده بأنّ التجربة السابقة لن تتكرر، لترجمة توجّه قوي بأنّ اعضاء المجلس قرروا تحصين انفسهم تجاه أيّ ضغوط يمكن أن تمارَس عليهم، وهم تعهدوا بالرفض المسبَق كلّ ما يمكن أن يهزّ الصورة التي يتمتع بها المجلس بعدما تجاوز محنته السابقة. وهو يستعدّ لإستضافة اول مؤتمر اقليمي عربي من نوعه في بيروت، غداً الجمعة، في حضور ممثلين من مختلف الدول العربية والمنظمات الدولية والعربية.
يعتقد بعض اصحاب النيات غير السليمة أنّ وحدة المجلس متأتية هذه المرة من اقتناع بأنّ رد طعن نواب “التيار الوطني الحر” مضمون لأنه يحمل في طياته بذور ردّه.
فالقانون الجديد الذي اصدره المجلس النيابي استند في الأسباب الموجبة على خيارات وطنية وجب حمايتها، والظروف الإستثنائية التي ولد فيها جديرة بالإحترام، وكذلك استهلاك الحكومة المهل الدستورية بلا تحضير جيّد للإنتخابات، وصولاً الى التهديد بالفراغ والشغور في السلطة التشريعية بعد الشغور الرئاسي، وكلّها عوامل تؤدي الى رفض الطعن الذي سيكون في عهدة المجلس في الساعات المقبلة. وتعليقاً على نيات المشكّكين في وحدة المجلس، تؤكد مراجع معنية أنّ ما بقيَ مخفياً على المشككين أهمّ وأضمن.
فسليمان استند في تعهّداته بضمان هذه الوحدة لأنّ الأعضاء العشرة وقَعوا قبل فترة وثيقة تاريخيّة تعهّدوا بموجبها عدم تعطيل النصاب أيّاً كانت الظروف – تتحفّظ “الجمهورية” عن نشرها لأنها ملك لأعضائه – وهي جاءت في توقيتها وشكلها ومضمونها، اعترافاً ضمنياً بأنّ ما حصل عند تعطيل النصاب العام الماضي لا يمكن أن يتكرّر مرة اخرى.
فالنصاب ومشاركة جميع الأعضاء واجب الوجوب، وهو ما وفّر موقفاً صلباً لرئيس المجلس في مواجهة ما هو آتٍ من عواصف دستورية كانت أم سياسية… فهي لن تهزّه وسيقوم بواجبه كاملاً.