ردّ فعل إسرائيل على بث قناة «الميادين» وثائقياً عن عملية أسر الجنديين الإسرائيليين عام 2006 غير مسبوق. مستوى اهتمام تل أبيب بالوثائقي كان كبيراً جداً، وما زال. التغطية والتعليق الواسعان في قنوات التلفزة الإسرائيلية والإعلام المكتوب، يمكن وصفهما، بلا مبالغة، بـ»الفوبيا والهستيريا» خشية من تداعياته.
«وثائقي 2006»، بثت قناة الميادين أولى حلقاته الثلاث السبت الماضي. اهتمام إسرائيل به ما زال مستمراً حتى يوم أمس، ويقدَّر أن يستمر أياماً. ويعود الاهتمام الواسع به إلى المشاهد الجديدة التي تضمنها والكشف عن جوانب من التحضيرات الدقيقة والمحكمة التي سبقت عملية الأسر، وصور الشهيد عماد مغنية يقود التحضيرات ويوجه المنفذين، إضافة إلى قائد عملية الأسر، الشهيد خالد بزي، مع صور ومشاهد جديدة للآليات العسكرية لحظة ضربها واقتحامها. لكن السبب الأساسي للهستيريا، يعود إلى حجم تأثيره وتداعياته السلبية في وعي الإسرائيليين، وتحديداً تجاه صورة الانكسار وإذلال الجيش الإسرائيلي في عملية الأسر، التي حاولت تل أبيب في الذكرى العاشرة للحرب إعادة إنتاجها وترميمها بحلة وصورة جديدتين.
انقياد المعلقين الإسرائيليين الكامل للرقابة العسكرية كان واضحاً جداً
مساحة التغطية في الإعلام العبري كانت لافتة، إلا أن لمسات الرقيب العسكري وتوجيهاته كانت واضحة في المقابل، وتحديداً في ما يتعلق بتعليقات الخبراء والمراسلين الإسرائيليين، العسكريين والسياسيين. لم تجرِ أية محاولة لقراءة الصور والمشاهد والتحضيرات كما بثت، على غير عادة المعلقين الإسرائيليين. لم تجرِ أية محاولة لقراءة الإخفاق والفشل الاستخباريين قبل عملية الأسر، والإخفاق والفشل العملياتي لحظة تنفيذ العملية وما بعدها. كان التوجيه صارماً، وكان التقيد به صارماً أيضاً. تركز التعليق بصورة جامعة لكل المعلقين دون استثناء، خارج مضمون الوثائقي، وسعي لافت لمحاولة إبعاد الإسرائيليين عن هذا المضمون، عبر التركيز على تدخل حزب الله في سوريا، وعلى «أزمته الداخلية» المزعومة في لبنان، وغيرها من المسائل المعتادة في التعليقات الإسرائيلية، لدى الشعور بالعجز في المواجهة إعلامياً.
كانت لافتة، جداً، مقاربة صحيفة «إسرائيل اليوم»، من ضمن التغطية الإعلامية الواسعة، للدلالة على الفوبيا من الوثائقي وتداعياته. الصحيفة، شبه الناطقة بلسان رئيس الحكومة الإسرائيلية، أشارت إلى أن خطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، وتضمنه هجوماً لاذعاً على السعودية، يأتي في سياق التوجه نفسه لمهمة وثائقي الميادين! وعلى هذه المقالة، يمكن قياس كل المقاربة الإعلامية الإسرائيلية، في اليومين الماضيين.
وثائقي الميادين، وردّ الفعل الإسرائيلي، يشيران إلى الآتي:
أولاً: حساسية مفرطة لدى القيادة الإسرائيلية إزاء تظهير وإعادة تظهير جوانب الفشل الاستخباري والعملياتي في مواجهة المقاومة وعملياتها، وما يعنيه ذلك من تثبيت لصورة تفوق حزب الله في هذين المجالين، وتأثيرهما السلبي في الأمن الشخصي والجمعي للمستوطنين. الواضح أن ردّ الفعل الصارم للرقابة العسكرية، ومنع التعليقات المهنية، يأتيان كعمل استباقي لمنع تداعيات هذه الصور والمشاهد ومفاعيلها على الرأي العام الإسرائيلي، وتذكيره بقدرات حزب الله الخاصة في التحضير وتنفيذ العمليات، وبالأخص أن مسرح العمليات هي مسافة صفر، من الشريط الشائك على الحدود مع لبنان.
ثانياً: كشف ردّ الفعل أيضاً مستوى الحرص الإسرائيلي على محاولة طمس جوانب انتصار حزب الله عام 2006، لدرجة أن فيلماً وثائقياً يكشف بعض جوانب هذا الانتصار، وإعادة تقديمه إلى الرأي العام، يُعَدّ نوعاً من الخط الأحمر الذي لا يمكن القادة الإسرائيليين أن يتعايشوا معه، خاصة مع شعورهم بأنهم هم، عبر المقابلات، كانوا عاملاً مساعداً لترسيخ هذا الانتصار.
ثالثاً: يظهر ردّ الفعل فراغ المهنية الإعلامية لدى المعلقين الإسرائيليين، وأنها أقل بكثير مما يحاولون زرعه في وعي جمهورهم ووعي أعدائهم. الانقياد الكامل للرقابة العسكرية كان واضحاً جداً، رغم أنه لم يلغ الصدمة والخشية من تداعيات التذكير بصور الانكسار، وهو ما عبّرت عنه صحيفة يديعوت أحرونوت أمس، في سياق تعليقاتها المستمرة منذ السبت الماضي على غرار وسائل الإعلام العبرية الأخرى، وتوصيف الوثائقي بأنه «لسعة من حزب الله»، كعنوان رئيسي في صفحاتها المكتوبة أمس.
رابعاً: ليست المرة الأولى التي يظهر فيها مسؤولون إسرائيليون، سابقون أو حاليون، على قنوات التلفزة العربية، بل على قناة الميادين نفسها، وعبر شاشة المنار كذلك، عبر وسيط إعلامي محايد. هذه المرة، كان ردّ الفعل هستيرياً لمن أجريت معهم المقابلات بالواسطة، ومن بينهم وزير الأمن عام 2006، عامير بيرتس، ووزيرة الخارجية في حينه، تسيبي ليفني، وغيرهما من السياسيين، إضافة إلى مسؤولين عسكريين رفيعين في المؤسسة الأمنية. سارع هؤلاء بشكل جماعي إلى التملص وتقديم الاعتذار والتبرير للجمهور الإسرائيلي. والاعتذار والتملص والتبرير، دليل إضافي على حجم التأثير السلبي للوثائقي وما تضمنه من إعادة الإضاءة بالصور الحية، لفشلهم وانكسارهم.