لا يستطيع العالم والولايات المتحدّة الأميركية ودول الخليج تحديداً أن يطالبوا لبنان بتحقيق ما عجزوا هم عنه وعجزت عنه معهم إسرائيل بكلّ تفوّقها الجوّي والبري والبحري، خلاص لبنان من إيران وحزبها يحتاج إلى جهد يتكتّل فيه العالم ليكسروا حزب الله ويقصقصوا جوانحه ويخلعوا أنيابه وأظافره التي تركت أربعون عاماً مغروسة في الجسد اللبناني، من دون أن يرفّ لكلّ هذا العالم رمش واحد!
«نعلم ان الوضع صعب في لبنان»، بهذه الجملة استقبل الرئيس الأميركي في البيت الأبيض رئيس حكومة لبنان سعد الحريري، بالتأكيد الوضع أكثر من صعب وجدّاً في لبنان ولكن، منذ متى لم يكن وضعنا في لبنان صعب، حتى أميركا تتجاهل الدور الذي يقوم به حزب الله في جرود عرسال، بل أكثر من هذا غضّ البيت الأبيض النظر معتبراً أن ما يجري هو حرب بين تنظيمين إرهابيّين، وبالتأكيد لا يختلف إرهاب النصرة وداعش عن إرهاب إيران وحزبها، متجاهلاً كلّ التقارير التي تحلّل جيوسياسياً ما قد تفضي إليه حرب جرود عرسال!
يضيع اللبنانيّون وسط المشاهد المركّبة والمعقّدة التي تختزل يومياتهم، ولكنّهم يترقّبون بقلقٍ كبير كلّ ما يشير إلى أنّ العقوبات المالية الأميركيّة على حزب الله وحلفائه وانعكاسها غير الواضح حتى الآن على لبنان الذي يلفظ أنفاسه اقتصادياً، وذلك بالتزامن مع سير معركة جرود عرسال، خصوصاً وأنّ تخلّي السياسة الأميركيّة عن لبنان تكرّر مرة تلو الأخرى وآخرها كان مع إدارة باراك أوباما الرديئة لأمور المنطقة التي تسبّبت في استشراس إيران في زعزعة استقرار المنطقة، ولا يتوقّع اللبنانيّون مساعدة حقيقيّة للجيش اللبناني هذه التجربة ذقنا مرارة ذهاب وعودها أدراج الرياح بعد العام 1982.
لبنان الضعيف مطالب من دول الخليج وأميركا بنزع سلاح حزب الله، بالتأكيد هذا أمر مستحيل بالقوّة، وحزب الله لن يقبل في مقابل سلاحه بأقل من وضع يده على لبنان بأكمله، أمّا الكلام الغثّ عن أنّ معركة جرود عرسال هي آخر حلقات إحكام إيران سيطرتها على لبنان، فنحيل أصحابه على إخراج إيران لأميركا ودول أوروبيّة في العام 1983 وكان حزب الله يومها كما يقول التشبيه المصري «قد عُقلة الصباع»، ففجر في نيسان السفارة الأميركيّة في بيروت وفجّر مقرّ المارينز في تشرين الأول العام 1983.
في العام ٢٠٠٣ أظهرت محكمة أميركية فيدرالية، كيفية وقوع الهجوم على مبنى المارينز بوضوح تام. وتم العثور على الشاحنة الصغيرة، كما تم كشف إسم سائقها وهو إيراني يدعى «اسماعيل عسكري»، ومع هذا لم تفعل أميركا شيئاً حتى الساعة لإيران ولا لحزب الله، بل أخطر من هذا كان طيران التحالف الدولي الغطاء الجوّي الحامي للتحالف الشيعي مع الجيش في العراق، وربّما في سوريا أيضاً!
غيوم كثيفة تتجمع فوق سماء لبنان، تأتي من كلّ الاتجاهات، والواقع السياسي اللبناني يفرض أزمة مساكنة مع حزب الله الذي سيستغني عنها متى حانت اللحظة المناسبة للانقلاب على الجميع، أكبر مخاوفنا أنّ هذا الواقع لن يتغيّر إلا بمواجهة عسكريّة مع حزب الله ستدخل لبنان في دوّامة دمويّة لا أحد يعرف إن اندلعت متى تنتهي، خصوصاً عندما يأمل بعض «المتجاهلين» للواقع اللبناني بأنّ أيّ تفكير بأنّ الجيش اللبناني قد يستطيع أن يحسم موضوع سلاح حزب الله إن تمّ تسليحه بشكلٍ كافٍ، فمجرّد أن يفكّر البعض بهذا الشكل كارثة، الثنائية الشيعيّة في الثمانينات تمكنّت من زعزعة الجيش اللبناني وانقسامه على يد اللواء السادس، فكيف الحال بها اليوم وهي في عزّ انتفاخ عضلاتها وقوّتها؟! لمن يشكّ في الأمر تجربة 7 أيار العام 2008 ماثلة في الأذهان، يوم وقف الجيش متفرجاً فيما كانت صور الخامنئي ترتفع في بيروت!