IMLebanon

هل تعرف أميركا إلى أين تتجه والعالم؟

“كان يجب أن تعرف أميركا والسعودية”، و”كان يجب أن تعرف تركيا ومصر وقطر والامارات”، و”كان يجب أن تعرف إيران الإسلامية وروسيا”، و”كان يجب أن يعرف اللبنانيون”، هذه السلسلة القصيرة من “الموقف هذا النهار” التي نشرتُ في الأيام الأربع الأولى من الأسبوع الماضي لاقت استحساناً من شخصيات لبنانية عدة رغم اختلاف آرائها السياسية والمواقف. ولاقت استحساناً بل وتشجيعاً من غير اللبنانيين ولا سيما عند الحديث عن دور “الأزهر الشريف”، المرجعية الأولى للمسلمين في العالم، في تحديث الإسلام من دون مسّ كلام الله في القرآن الكريم وسنّة رسوله. كما لاقت استحساناً من باحث أميركي صديق، مطّلع جداً على أوضاع المنطقة منذ عقود ومستمر في متابعة تطوراتها. وهو استحسان دفعه إلى ابداء شروحات اضافية للأسباب التي أوصلت العالمين العربي والإسلامي بدولهما وشعوبهما إلى الحروب الأهلية والمذهبية والتي بدأت تدفع العالم إلى التحرّك جرّاء انتقال العنف إلى دوله وبين مكوّنات شعوبها. ماذا قال الباحث الصديق المشار إليه في شروحاته الإضافية؟

قال إن على الذي يريد أن يبحث في أسباب النهوض والصعود المفاجئين للتيارات الإسلامية المتطرّفة جداً ولمثيلاتها في العالم الإسلامي، أو حيث يعيش مسلمون في العالم الأوسع سواء كمواطنين أو كمقيمين في صورة شرعية وغير شرعية أو كلاجئين، عليه أن يعود قروناً إلى الوراء ليطّلع من جديد على أمور مهمة أولها انقسام الإسلام إلى فريقين هما السنّة والشيعة. وثانيها إقفال باب الاجتهاد الذي قام به العباسيون، وجعل ذلك مستحيلاً على العالم السني استيعاب بل امتصاص الأفكار التنويرية التي كانت تصل إليه من أوروبا. وثالثها أن المنطقة انتقلت من خلافة إسلامية إلى أخرى ثم وصلت إلى مرحلة خضوعها إلى الانتدابات المتنوّعة من دون أن تعيش دولها استقلالاً حقيقياً ومن دون أي اختبار وإن ضعيفاً للديموقراطية. ورابعها فشل المؤسسات بل الأنظمة التي أنشأتها السلطات المنتدبة وفي كل المجالات، وتتساوى في هذا الفشل الديكتاتوريات العسكرية التي تأسست والأحزاب العقائدية التي أُسست سواء انتمت إلى اليسار أو إلى اليمين. وخامسها الاخطاء والمظالم التي ارتكبتها السلطات المنتدبة، وانقسام المنطقة إلى دول سُميت مستقلة لم تأخذ في الاعتبار على الاطلاق التنوّع الاتني والديني والمذهبي لشعوبها، ومارست سلطة مطلقة كان مصدرها عند بعضها الدين، في حين كان مصدرها الآخر ومبرّرها الاستعداد لتحرير فلسطين من الاغتصاب الاسرائيلي وضرورة التضحية بكل الحقوق من أجل ذلك. ورغم نبل المصدرين المذكورين للسلطة، فإن الذين مارسوها في القسمين المشار إليهما من الدول لم يحرروا ما اغتصب من فلسطين، بل لم يمنعوا اغتصابها كلها لاحقاً. كما أنهم لم يهتموا بشؤون الناس كما أراد الإسلام أن يتم الاهتمام بها. وسادسها قيام المملكة العربية السعودية ببناء الكثير من المدارس الدينية التي كان هدفها الوحيد نشر فكرها السلفي وتعزيزه في أنحاء العالم، وقد رافق ذلك إنفاق كبير للمال الوفير لبناء المساجد ولإعداد الدعاة الذين سينشرون الإسلام السلفي فيه. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن السلطة في المملكة ظنّت، عقب بروز الإسلام المتشدّد بعد “الجهاد” في أفغانستان، أن إرسال كل هؤلاء إلى العالم سيبعدهم عن الداخل السعودي ويشغلهم عنه، ويبدو أن الظنّ لم يكن في محله. وسابع الأمور وآخرها انتصار ثورة الخميني الإسلامية في إيران عام 1979 ومبادرتها إلى إحياء التيارات الإسلامية الأصولية السنية وإلى نشر الأصولية الشيعية وتصدير الثورة الإسلامية إلى المنطقة.

أما عن مسؤولية أميركا عن عدد من “أمراض” المنطقة، فإن الباحث الأميركي نفسه يعترف بها. لكنه برّرها بعدم فهمها المنطقة إذ ورثتها من قوى استعمارية ضعُفت. فالعرب رأوا من أميركا الرئيس ولسون ونقاطه الـ14، وظنّوا أنها ستكون أساس سياستها الخارجية. وهي وجدت نفسها ضائعة في دوامة انقلابات وفي “حرب باردة” وفي “قلق” أنظمة محافظة صديقة لها منها إسرائيل، وفي مواجهة أنظمة معادية لها وموالية للاتحاد السوفياتي. ولذلك فإن أميركا لا تلام كليا على عدم حلّ قضية شعب فلسطين لأن العرب رفضوا قبول حقيقة هزائمهم المتتالية والانطلاق منها للتفاوض على حل. وختم الباحث نفسه: لا أعرف إلى إين نتجه بعد تفجير الطائرة الروسية وبعد مذابح بيروت وباريس وخوف أوروبا على “أمن” الغرب. لكنني أرى “أملاً” ما بعدما بدأ رئيس روسيا بوتين “يحسّ بالسخن”، وهو حماسه لحل متفاوض عليه لسوريا لا بدّ أن ينهي عصر “نظام الأسد”، علماً أن ذلك قد يستغرق وقتاً طويلاً.