منذ اللحظة الأولى التي قامت الإحتجاجات والتظاهرات ضد شاه إيران في أواخر عام 1978 حتى الوصول الى إجبار الشاه على الإستقالة ومجيء آية الله الخميني الذي كان هارباً من الشاه في النجف في العراق ونقله الى باريس يوم رفضت دولة الكويت إستقباله، وبقي في مطار الكويت حتى ذهب الى باريس، وهناك طبعاً رتب الاميركيون له مقراً للسكن عفواً «Chateau» أي قصر في وسط باريس وبدأت توزّع خطبته يوم الجمعة على الكاسيت حيث وصل الرقم الى أكثر من مليون كاسيت… فمَن كان يدفع ثمنها؟ ومَن كان يوزّعها؟ مَن كان يدفع لآية الله الخميني إيجار القصر؟ مَن كان يدفع ثمن الكاسيت وثمن توزيعها؟ كلها أسئلة مطروحة وأما الإجابة عليها فبكل بساطة هي أميركا.
ونعود الى التاريخ… لأنّ التاريخ يعلمنا أن نستقرئ المستقبل، يعني باختصار أنّه عندما قرّرت أميركا أن تغيّر النظام في إيران لأنّ الشاه كان قد خطا خطوات كبيرة نحو تحوّل إيران الى دولة صناعية كبرى بالإضافة الى بناء جيش كبير وقوي… إذ تحوّلت إيران في أيامه الى دولة مهمّة وكانت في الطريق لأن تتحوّل الى دولة صناعية كبرى خصوصاً أنها تملك احتياطياً مهماً من البترول، وهي كانت في المرتبة الثالثة عالمياً… كذلك فإنّ عدد سكانها 80 مليوناً ما يمكّنها من أن تصبح دولة صناعية متقدمة.
إنّ الأسباب الحقيقية لتغيير النظام ليس تحوّل إيران الى دولة صناعية بل أنّ كيسنجر وزير خارجية أميركا خطط منذ عام 1973 إنّ هناك حاجة لكي تكون هناك حرب دينية بين أهل السُنّة وبين الشيعة، والسبب الحقيقي هو حماية إسرائيل وتخريب العالم العربي وإلغاء الجيوش العربية كما يحصل اليوم.
وإنّ ما يجري اليوم في إيران هو صورة طبق الأصل عمّا حصل في العام 1978: إحتجاج على الأوضاع المعيشية، مطالبة بالحريات… ولكن هناك إضافة جديدة طرأت ليس من اليوم إنما تعود الى العام 2006، والموضوع الجديد هو الدعم الإيراني الكبير بالمال والسلاح لـ»حزب الله»، وجرت حادثة مع شيخ شيعي كان يستقل سيارة أجرة في طهران اعتدي عليه بالضرب من قِبَل السائق الذي طرده من سيارته قائلاً له: هذا احتجاج على كون الحكومة الإيرانية قد أعادت بناء قسم مما تهدّم في حرب تموز 2006 في لبنان، من دون أن تعير أي اهتمام لتأمين المساكن للذين تضرروا من الزلزال الذي سبق حرب الـ2006.
إنّ سياسة الخامنئي أصبحت واضحة اليوم: وضع اليد على الدولة، ووضع اليد على الجيش عن طريق الحرس الثوري الذي تفوق ميزانيته أضعاف ما ينفق على الجيش… على سبيل المثال سنة 2016 كانت ميزانية الجيش 4 مليارات دولار، وفي سنة 2017 صارت 7.6 مليارات، إضافة الى الخمس الذي يتقاضاه نظام الملالي.
والسؤال: لماذا انطلقت الأحداث من مشهد؟ الجواب: لأنّ هناك نقمة كبيرة على نظام الملالي الذي ينعم بالمال والأبنية الفخمة بينما الشعب في فقر وجوع.
في النهاية القرار في ما يجري في إيران اليوم هو قرار أميركي… فإذا تطوّرت الأحداث وتريد أميركا تغيير النظام فسيتغيّر، والعكس صحيح… والأيام القريبة ستكشف الحقيقة.
عوني الكعكي