Site icon IMLebanon

هل يتغيّر عون بعد انتصار خياره الاستراتيجي؟

بعد ان اصبح «غرام» تيار المستقبل بقانون الستين قصة حب مفضوحة، بدأت الاسباب الجدية حول هذه الاستماتة من قبل «التيار الازرق» للحفاظ على هذا القانون تتضح شيئا فشيئا، فلماذا يخشى خوض غمار الانتخابات وفق قانون جديد يمنح خصومه فرصة للتمثيل دون ان يكون معرضا للالغاء؟ وهل القصة فقط مسألة داخلية ؟ او خوف من تحجيم سياسي وليس عددياً للكتلة الزرقاء» وسط ذعر وقلق على الدور في سياق اختلال الموازين الاقليمية؟

هذه الاسئلة تضعها اوساط مطلعة على النقاشات داخل «المستقبل» في سياق المتغيرات المتسارعة في المنطقة والتي استدعت استنفارا في تيار المستقبل للحفاظ على «مفاتيح» القوة المحلية لمواجهة الانهيارات المرتقبة على مستوى الاقليمي والدولي، وخصوصا على الساحة السورية بعد تراكم المعطيات والمؤشرات الدالة على خسارة السعودية وقطر وتركيا لمشروعها السياسي والعسكري، «والجملة» «المفتاح» قالتها احدى الشخصيات البارزة في التيار مؤخرا خلال جلسة «عصف فكري» لمناقشة المرحلة المقبلة ومفادها «اذا كانت تلك الدول تملك هامش مناورة يتيح لها التعامل مع الوقائع والمستجدات بما لها من حضور وموقع يحفظ دورها في المنطقة، فكيف يمكننا نحن ان نحفظ دورنا؟ وكيف؟…

هكذا بدأت التساؤلات تكبر داخل «التيار الازرق»حول كيفية التعامل مع مرحلة ما بعد بعد حلب؟ انتصار الرئيس السوري بشار الاسد يشكل قلقا حقيقيا وجديا، رغم الآراء المتعددة التي تقول انه لن يعود الى سابق عهده، لكن الجميع يدرك سوريا معافاة حتى لو كانت جريحة ستكون «خطرة» على كل من شارك في دعم «الثورة»! وبحسب اوساط 8 آذار، فان اطمئنان «التيار الازرق» للضمانات التي منحها الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله لمن تآمر على الدولة السورية بتأمين مظلة سياسية حمائية لهم في حال الانتصار في سوريا، لا تكفي، لان القلق والتوجس لا يتعلقان بالحضور السياسي الذي يضمن وجوده الحزب، وانما بحجم الاثمان السياسية التي ستدفع في تلك المرحلة، حيث لا يمكن مثلا لاي رئيس حكومة مهما كان اسمه تجاهل واقع عودة دمشق الى عافيتها او جزء من تلك العافية، لا يمكن ادارة الظهر الى الدولة السورية واستمرار العناد بعدم التعامل مع الرئيس الشرعي في سوريا، ثمة مفردات وشعارات لا يمكن الاستمرار في تردادها او التمسك بها لان ثمن ذلك سيكون «الخروج» من السلطة..

استراتيجية» ربط النزاع» القائمة حاليا ستكون حينها دون اي معنى في ظل سقوط المشروع الخليجي – التركي – الاميركي، ستكون هناك مرحلة جديدة تحتاج الى مقاربة واقعية، وتحتاج الى «حاضنة» سياسية وشعبية يحتاج اليها الرئيس الحريري لتبرير انعطافته الجديدة، وكذلك للحد من الخسائر امام خصومه، فاستعادة كتلة نيابية وازنة تضم نوابا غير سنة يعتبرها تحصينا ضروريا لموقعه السياسي الذي يخشى ان يكون مهددا، فاختلال ميازين القوى راهنا دفعه الى تجرع «كأس السم» بانتخاب مرشح حزب الله للرئاسة، فكيف اذا ما تجاوزت الامور هذه المرحلة وحسمت المعركة في سوريا، الخشية هنا من دفع اثمان باهظة، ولذلك يبقى الهم الاول والاخير لتيار المستقبل، ربح المعركة الداخلية واثبات احادية تمثيل السنة لحجز مقعد دائم وثابت في المعادلة اللبنانية وتقليل ما يمكن من خسائر الرهانات الاقليمية الخاطئة… وهكذا بات «قانون الستين» «قارب نجاة» خوفا من الغرق…

ومن هنا بدأ تيار «المستقبل» منذ الان يشعر «باليتم» ويحتاج بشدة الى عودة ميمونة بكتلة وازنة الى المجلس النيابي ليحصن نفسه داخليا من انقلاب المشهد السوري في وجه «رياح» التغيير… كيفية التعامل مع هذه المستجدات موضوعة على «الطاولة» دون ان تخلص قيادات المستقبل الى نتائج واضحة، وبحسب مصادر مقربة من «التيار الازرق» ثمة وجهتا نظر في هذا السياق الاولى لفريق يقوده الرئيس فؤاد السنيورة يدعو الى عدم «الهلع» والانتظار وعدم الاستعجال، وفريق آخر على رأسه الحريري الذي لا يريد ترك الامور مفتوحة على «المفاجآت» ويسعى لبلورة استراتيجية واضحة منذ الان وقبل فوات الآوان… لكن ما يدركه «المعسكرين» ان الهامش المتاح حاليا لن يكون متاحا، «ازدواجية» السياسية الرسمية اللبنانية في التعامل مع دمشق لن تكون متاحة، ولن يكون مقبولا وجود رئيس للجمهورية منفتح على العلاقة مع الدولة السورية، فيما رئيس الوزراء مصر على المجاهرة بالعداء ويصر على «الهروب» من مصافحة السفير السوري..

وفي هذا السياق تسخر اوساط 8 آذار من استراتيجية القوات اللبنانية التي تقوم على الترويج لفكرة وجود تشكيك من قبل حزب الله بنيات الرئيس ميشال عون، ثمة «ماكينة» اعلامية وسياسية تخوض حربا استباقية مستغلة «شطحات» صحافية او تصريحات من هنا او هناك، لإبراز وجود خطة لدى حزب الله لإفشال العهد بسبب انعدام الثقة بخيارات الرئيس الاستراتيجية، وهنا يتظهر حجم «الهلع» لدى حليف «المستقبل» ايضا مما يحصل على الحدود الشرقية، الواضح ان ثمة استعجالاً لـ «دق اسفين» في هذه العلاقة تحسبا للتطورات المتسارعة، رئيس القوات سمير جعجع يعيش حالة من القلق حيال تحالفه مع التيار الوطني الحر ويسعى الى ضمان المكاسب التي حققها بتحالفه مع «البرتقالي»، ويخشى من «نشوة» انتصار خيارات رئيس الجمهورية الاستراتيجية مع ما يمكن ان يستتبعه من تداعيات داخلية قد تعيد القوات الى «عزلتها» المسيحية او القبول «بشروط اللعبة» الجديدة التي يفرضها «المنتصرون»..

لذلك فان التصويب على علاقة العهد بحزب الله خلفيتها مكشوفة ومجرد «حرتقات» صغيرة، لا مكان لها في الواقع، والسبب ليس فقط صدق «الجنرال» في تحالفاته وخياراته، وليس ايضا طبيعة العلاقة الصادقة التي تربطه مع السيد نصرالله، وانما من زاوية قياس المصلحة الشخصية والسياسية، فهل يعقل مثلا ان من ذهب الى هذا الخيار الاستراتيجي في اصعب الظروف سيعود عنه عندما يقترب من الانتصار؟ وهل يمكن الانقلاب على هذا «الخط» الذي ساهم في ايصاله الى قصر بعبدا واخرج المسيحيين من حالة الاحباط المستمرة منذ 26 سنة ؟ طبعا الجواب معروف ولا يمكن «لعاقل» ان يطرحه او يفكر فيه؟ وربما من الاجدى ان يطرح  هؤلاء سؤالا اكثر الحاحا حول تمسك التيار الوطني الحر مستقبلا بتحالفات داخلية غير منسجمة مع تحالفاته الاستراتيجية الرابحة؟ وهنا «مربط الفرس»…

انها لحظة انعطاف حاسمة بشأن تسوية الوضع في سوريا ترسمها روسيا مع حلفائها، تركيا تعيد او انتهت من اعادة ترتيب اولوياتها بعدما ابدت موسكو جديتها في الذهاب الى الحسم في ظل قرار صارم من بوتين بعدم تحويل الحرب السورية الى «مستنقع» لبلاده، اسرائيل تعيد حساباتها وعبرت عن «غضبها» من التطورات المتلاحقة بغارات جوية تعرف انها لن تغير من الوقائع شيئا ولكن ارادت القول انني ما زلت هنا فلماذا يتم تجاهل مصالحي؟ دول الخليج وفي مقدمها السعودية خسرت الدعم المصري في سوريا وهو تحول نوعي لا يعرف قيمته الا من يقرأ في المعاني الاستراتيجية للتحولات، حرقت تلك الدول «اوراقها» السورية وهي غير قادرة على تقديم اي ضمانة لحليفها اللبناني، الاتصال الهاتفي الاخير بين الرئيس الروسي ونظيره الإيراني، مساء الاثنين الماضي رسخ  التعاون الوثيق بينهما بهدف تطبيع دائم ووطيد للوضع في سوريا والمنطقة.. زيارة وزير الخارجية التركي الى بيروت لا يمكن استثمارها في السياسة الداخلية، انقرة لا يمكن ان تؤدي دور الرياض ايام «العز» وهي غير قادرة على تقديم اي «مظلة» لاحد، هذه التطورات وضعت تيار المستقبل وحلفاءه امام الأسئلة الصعبة يدرك «الصقور» «والحمائم» هذا الواقع، ومن هنا «الاستماتة» في التمسك بقانون الستين القادر في رأيهم على تحصين «البيت الداخلي» من «العواصف»…