بين إجراء الانتخابات وفق قانون الستين والتمديد للمجلس النيابي، مروحة واسعة من الخيارات أمام رئيس الجمهورية تتيح له تعطيل الانتخابات لنزع فتيل الابتزاز من رافضي النسبية
«الثابتة الوحيدة المسلّم بها هي أنه لن يُسمح في عهد ميشال عون بأن تُغتصب الإرادة الشعبية». لهذه الجملة التي أنهت بها قناة «أو تي في» التابعة لحزب رئيس الجمهورية، أول من أمس، مقدمة نشرتها الإخبارية دلالات كثيرة. من يعرف عون جيداً، يُدرك أنه لا يمزح في كل ما يتعلق بهذه الإرادة، وأنه يُخرج الجنرال «المدفعجي» الذي فيه، متى ما حاول أحد حشره بين خيارين لا يستسيغ أياً منهما. وعليه، تصبح «كل الخيارات متاحة ومفتوحة» في وجه محاولات ابتزاز العهد بوضعه بين فكّي «قانون الستين» أو التمديد، ومن بينها خيار عدم إجراء انتخابات أساساً.
فما كان يُطرح سابقاً كمأزق يحتّم الاختيار بين القانون النافذ أو التمديد كان يفرض تهيّباً لدى كل القوى المعنية إبان عهد الشغور الرئاسي الأمر الذي لم يعد قائماً اليوم. وبالتالي، لم تعد هذه الثنائية حتمية. عدم إجراء الانتخابات خيار ثالث على كل القوى المعنية أخذه جدياً في الاعتبار. وبحسب خبراء قانونيين ودستوريين، هناك أطر قانونية ودستورية متاحة لمثل هذه الخطوة.
فالانتخابات تجرى وفق مرسوم عادي غير صادر عن مجلس الوزراء ولا تسري عليه مهلة الـ 15 يوماً. وهو يحتاج الى توقيع رئيس الجمهورية، ولا يمكن في أي حال من الأحوال القفز فوق هذا التوقيع. فيما هناك صلاحيات دستورية لرئيس الجمهورية يمكنها أن تحول دون لجوء مجلس النواب الى التمديد لنفسه.
مصادر بعبدا تتكتم على ما يدور في خلد رئيس الجمهورية. فيما تحذّر مصادر في التيار الوطني الحر من «محاولة ابتزازنا». وتشدد على أن «المطلوب الوصول الى قانون جديد يعتمد شكلاً من أشكال النسبية»، مؤكدة أن «خيار النزول إلى الارض مطروح جدياً ونحن لا نمزح في ذلك. وبدأنا البحث في وضع مهل زمنية لمثل هذه الخطوة».
موقف التيار تلقى جرعة دعم أمس من حليفه حزب الله الذي أعلن أكثر من موقف قاطع برفض «الستين». وذلك على لسان نائب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم الذي وصف هذا القانون بأنه «مشكلة كبيرة للبلد» و«هدم للهيكل اللبناني».
في المقابل، ما هي مواقف بقية الأطراف السياسية؟
الرافضون للنسبية طبقات يتلطّون جميعاً تحت طبقة النائب وليد جنبلاط. موقف الأخير واضح لجهة رفض أي نوع من أنواع النسبية وتمسكه بما يبقي على عدد نوابه الحاليين وعلى توازن القوى السائد. النظرية التي يبني عليها موقفه بأن الدروز هم الطائفة الوحيدة التي يعتبر نصف مقاعدها (4 من 8) ساقطاً ديموغرافياً لا يعوّل عليها. في رأي مصادر سياسية، «جنبلاط المهجوس بالتطورات الاقليمية يبدو وكأنه يتصرف، عن وعي أو غير وعي، على قاعدة تعويض خسارة السويداء بكانتون في الشوف وعاليه». والخشية أن يكون دافع الحسابات الجنبلاطية ليس «إنقاذ» المقاعد الدرزية، بقدر ما هو الحفاظ على هذا «الكانتون».
موقف الرئيس سعد الحريري شديد الوضوح أيضاً: «قانون بحسب مصالحي أو يبقى الستين». وهو لا يملك ترف خوض انتخابات تعتمد النسبية في ظل تربّص الخصوم داخل الطائفة به، وفي ظل ضائقته المالية المستمرة.
رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع ليس بالتأكيد من المغرمين بالقانون النسبي الذي سيضطره الى تشكيل لوائحه الخاصة. فيما يلزم القانون الأكثري التيار الوطني الحر تشكيل للوائح مشتركة مع القوات اللبنانية. والنتيجة عصافير عدة بـ«حجر الستين»: يزيد عدد نوابه في المناطق المسيحية، ويحقق حلم إلغاء الخصوم، ويواصل ابتزاز تيار المستقبل لانتزاع مقاعد مسيحية في مناطق نفوذ الأخير، ويحافظ على حصته التي نالها من جنبلاط في الشوف.
وقد تكون للرئيس بري حسابات مشابهة الى حد ما، وإن بدرجة أقل. إذ أن النسبية قد تضطره وحزب الله الى تشكيل لوائح منفصلة لمنع الخرق من أطراف أخرى. علماً أن الحزب وأمل ملتزمان بلوائح مشتركة، مهما كان شكل قانون الانتخاب، لاعتبارات استراتيجية، حتى ولو أدى ذلك إلى خسارتهما معاً مقاعد محدودة.
في خطابه أمام السلك الدبلوماسي، قبل أسبوع، اعتبر الرئيس عون أن «وحده النظام الذي يقوم على النسبية يؤمن صحة التمثيل وعدالته للجميع». كانت المرة الأولى التي يشير فيها، منذ انتخابه، الى النسبية. وكانت الرسالة واضحة للجميع: كل «العلك» حول ضيق الوقت بما يحتم إجراء الانتخابات وفق «الستين» لن يقنعه بالتنازل. مذذاك، بدأ تعديل يطرأ على بعض المواقف، إلى حد إبلاغ حركة أمل التيار الوطني الحر استعدادها لأن تكون أمامه في أي تحرك على الأرض لإقرار النسبية. فيما جعجع، من جهته، بات أكثر اقتناعاً بالانحناء أمام عاصفة النسبية بعدما لمس الاصرار العوني. جنبلاط لا يزال على موقفه، لكن التجارب تشير الى أن الزعيم الاشتراكي أكثر من يتقن «فن الاستدارة». وحده الحريري، رغم انفضاض شريكيه جعجع وجنبلاط عنه، لا يزال يتأبّط قانونه المختلط… إلى حين.