أضعف الإيمان –
عاودت الخارجية اللبنانية موقفها السابق في جامعة العربية خلال الاجتماع الطارئ لوزراء خارجية دول منظمة التعاون الإسلامي، ونأت بنفسها عن إجماع الدول العربية والإسلامية المشاركة التي دانت الاعتداءات الإيرانية على السفارة السعودية في طهران وقنصليتها في مشهد، فضلاً عن أنها تمسكت بموقف الوزير في بيان صادر عنها، أشارت فيه إلى أنها كانت أعطت التعليمات إلى سفير لبنان لدى المنظمة قبل انعقاد الاجتماع، بوجوب اتخاذ الموقف المشابه للموقف السابق في الجامعة العربية، في حال تضمَّن القرار المضامين عينها الواردة سابقاً، وذلك التزاماً بسياسة الحكومة القاضية بالنأي بلبنان عن هذه المواضيع المشابهة والمرتبطة بالأزمة السورية، وإن شئت «حزب الله».
النأي بالنفس الذي مارسه لبنان، في بداية الأزمة السورية، وجد تفهُّماً سعودياً، لكنه اليوم لم يعد مفهوماً، وقوبل بامتعاض سعودي رسمياً وشعبياً، وفي شكل غير معهود، ونُشِرت آراء في صحف سعودية تتساءل عن جدوى رهان المملكة على لبنان ودعمه، بعد أن أصبح موقفه داعماً لنظام طهران، فضلاً عن دمشق. المزاج السعودي اليوم تجاه لبنان يذكّر بموقف سابق للرياض، حين أعلنت رفع يدها عن لبنان، مع اقتراب صدور القرار الاتهامي ضد «حزب الله» في قضية اغتيال رئيس الحكومة اللبنانية السابق رفيق الحريري، بسبب تراجع الرئيس بشار الأسد عن وعود والتزامات للملك عبدالله بن عبدالعزيز.
الرياض لم تتحدث، حتى الآن، باللغة التي صاحبت تصريح «رفع اليد» الذي أعلنه آنذاك الراحل الأمير سعود الفيصل. هل يعني ذلك أن السعودية ستتجاوز هذا الموقف، كما فعلت سابقاً؟ من الصعب التكهن بأن الرياض ستتخلى عن لبنان في شكل مفاجئ، لكنها ربما لجأت الى إمساك يدها عن مساعدته، والتشدُّد في منح اللبنانيين تأشيرات عمل، والتلويح لرجال الأعمال السعوديين بوقف الاستثمار في لبنان، وتحميل الأطراف السياسية اللبنانية المتماهية مع إيران، مسؤولية التداعيات المحتملة.
لسان حال السعوديين أن أضعف الإيمان هو أن يتحالف لبنان مع العرب ضد اعتداء إيران على السفارة السعودية في طهران. ولكن أن ينأى بنفسه عن هذا الموقف بحجّة الوحدة الداخلية، فهذا مبرر غير مقنع.
لا شك في أن الشعب اللبناني سيتحمل خسائر تداعيات هذه الأزمة، إذا استمر لبنان في هذا النهج، فضلاً عن أن الأوضاع الاقتصادية التي تمر بها السعودية ستشكّل دافعاً للتشدد تجاه لبنان، إذا لم تتحرك القوى السياسية الأخرى نحو لجم اندفاع الدولة اللبنانية في مسايرة المواقف الإيرانية.
الأكيد أن إخضاع السياسة الخارجية للبنان لمصالح طهران، بحجة النأي بالنفس، سيفضي الى تبدُّل موقع لبنان في نظر الرياض، فالمواقف السياسية الخارجية للدولة اللبنانية أصبحت اليوم أداة ارتهان إرادة الشعب اللبناني. هل تتفهّم القوى اللبنانية خطورة خطف لبنان من محيطه العربي؟