تتناول وسائل الاعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة في شكل شبه دائم، تجاوزات وصفقات، تخالف القوانين المرعية الاجراء، يقوم بها او يغطيها وزراء وموظفون من الفئة الاولى، تعكس مدى الفساد المعشش في الادارات والوزارات، وفي احيان كثيرة يدلّ بالاصبع وبالاسم على الوزراء والموظفين المتهمين بارتكاب جرائم الفساد ونهب مال الدولة، حتى ان رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، اشار في سياق كلمة له منذ يومين الى ان هناك مسؤولين تعّودوا على مدّ اليد الى المال العام، ومع ذلك، يصمت المعنيون بهذه الاتهامات صمت الخرسان، ويصمت معهم المسؤولون عنهم، فالوزير مسؤول عنه رئيس الحكومة، ونصّ الدستور واضح في هذا المجال، فالبند 7 من المادة رقم 64 تنصّ على ما يأتي «يتابع رئيس الحكومة اعمال الادارات والمؤسسات وينسّق بين الوزراء، ويعطي التوجيهات العامة لضمان حسن سير العمل»، كما ينص البند 8 من المادة نفسها «ان رئيس الحكومة يعقد جلسات عمل مع الجهات المعنية في الدولة بحضور الوزير المختص»، وبديهي ان هذين البندين يلزمان رئيس الحكومة بالاشراف على الوزارات والادارات والمؤسسات العامة واعطاء التوجيهات لها والتنسيق بينها، بما يعني انه اذا طال اتهام ما وزيراً او مديراً او محافظاً او قائمقاماً، على رئيس الحكومة ان يبادر الى السؤال والتدقيق بصحة هذا الاتهام، وبتحريك القضاء لجلاء صحة الاتهام او عدم صحته، الامر الذي لا يقوم به حتى الان رئيس الحكومة على الرغم من الاتهامات التي يضخها الاعلام وغير الاعلام، والمستغرب ان القضاء بشخص وزير العدل لم يسأل عون عن اسماء هؤلاء الذين يمدّون ايديهم على المال العام.
الحكومة التي رفعت شعار «استعادة ثقة المواطن بالدولة» تعمّق عدم ثقة المواطنين بالدولة، باهمالها وتطنيشها عن الفساد وروائحه التي عمّت لبنان وكل العالم، حتى ان وزير مكافحة الفساد نقولا التويني، يشكو من الفساد واستشرائه ويعلن عجزه عن مكافحته لأن وزارته فارغة من الموظفين، ولأن صلاحياته التي لم تحدد بعد لا تسمح له بأخذ اي خطوة عملية.
***
في نهاية عهد الرئيس المرحوم شارل حلو بدأت ترتفع اصوات حول قيام بعض ضباط المكتب الثاني باستغلال نفوذهم لتمرير صفقات سياسية وانتخابية ذات مردود مالي، وعرف بها حلو لكنه «تركها» للعهد الآتي، في تلك الاثناء طرح اسم النائب المرحوم جان عزيز الذي كانت تربطنا به صداقة عميقة، كمرشح جدّي لرئاسة الجمهورية ومن عاصر تلك الفترة يعرف ان عزيز لو قبل النصيحة بزيارة دمشق، لكان اصبح رئيسا، وفي احدى الجلسات معه طرح موضوع الفساد وكيف يمكن مكافحته اذا انتخب رئيسا واقترحت عليه يومها ان اضع له هيكلية مكتب خاص به، قريب منه مهمته تلقّي شكاوى المواطنين، عبر الهاتف او المراسلة، او من خلال الصحف، ومتابعتها مع الوزارات والدوائر المختصة الى النهاية، وابلاغ اصحاب العلاقة بنتائجها، لكن المشروع لم يكتب له النور ووصل الى الرئاسة الاولى المرحوم سليمان فرنجية «وفلت الملق» في عهده امنيا وغير امني.
لا يمكن لعهد الرئيس عون ولا لحكومته، كائيا من كان رئيسها ان ينجحا ويستعيدا ثقة المواطن دون وجود فريق يعتمد على كفاءته ونظافة كفّه، في السراي او في قصر بعبدا، يتابع كل شاردة وواردة وكل تهمة وصرخة وجع من مواطن، ويحملها الى الوزارات والادارات والقضاء، لايجاد حلول لها، فوحش الفساد اصبح اكبر واقوى من وزير لا وزارة عنده.