أوروبا الخائفة من الارهاب خائفة أكثر على اليورو. وما يخيفها ليس السياسات الخاطئة التي تقودها المانيا لمعالجة الأزمة المالية والاقتصادية بل بداية الانتفاضة عليها في اليونان فالناخب اليوناني طفح كيله من التقشف المفروض عليه من ترويكا الدائنين: صندوق النقد الدولي، الاتحاد الأوروبي والبنك المركزي الأوروبي. وهو اختار الطريق الآخر لحزب سيريزا اليساري بزعامة الكسيس تسيبراس على الطريق الذي أتعبه فيه حزب الديمقراطية الجديدة الذي يمثل يمين الوسط بزعامة رئيس الوزراء أنطونيس ساماراس.
وليس أمراً عادياً ان يراهن الناخبون على اليسار الراديكالي لاخراجهم من وضع مالي واقتصادي كارثي صنعه اليمين. فهم دفعوا ثمن سياسات حكومتين: حكومة أنفقت أكثر مما استطاعت أن تقترض، ليس على مشاريع انتاجية بل على مشاريع للسرقة والفساد. وحكومة جيء بها لانقاذ الوضع هي حكومة ساماراس التي سلّمت بكل شروط الترويكا وفرضت أقسى سياسة تقشف وخفض رواتب بحيث انخفض الانتاج المحلي بنسبة ٢٥% وزاد معدّل البطالة على ٢٥%. ولم يبق أمامهم سوى تجربة علاج آخر تقدمه حكومة برئاسة تسيبراس.
ذلك أن تسيبراس لعب ورقة الأمل والكرامة. وعد بتغيير المسار: انهاء التقشف، زيادة الحد الأدنى للأجور، تحفيز الاقتصاد، تشجيع الاستثمارات، تقديم الكهرباء وطوامع الطعام مجاناً ل ٣٠٠ ألف عائلة، واعادة التفاوض على جدولة الديون البالغة ٣٢٠ مليار يورو. وبالمقابل فإن ساماراس لعب ورقة الخوف. الخوف من الانهيار الكامل اذا وصل تسيبراس الى رئاسة الحكومة، بحيث تنزل الغوغاء الى الشارع في آذار وتغلق البنوك أبوابها في أيار وتقل الخدمات الطبية. ولكن الخوف الذي ساعده في المرة الأولى لم ينجح في المرة الثانية، لأن رئيس الوزراء فشل في تقديم رسالة ايجابية قبل استعمال الخوف في النهاية، كما قال خبير يوناني في استطلاعات الرأي.
واذا كانت سياسة تسيبراس مغامرة في المجهول، فإن سياسة ساماراس مقامرة معلومة. لا بل ان بول كروغمان الحائز جائزة نوبل في الاقتصاد يرى في مقال نشرته النيويورك تايمس أن دول اليورو ال ١٨ فعلت كل شيء بطريقة خاطئة في معالجة الأزمة. اذ سارعت الى التقشف وخفض الانفاق وزيادة الضرائب برغم البطالة العالية. وهي، بقيادة برلين وبروكسيل، وضعت كل اللوم على عجز الموازنات، مع ان خفض النفقات في اقتصاد كاسد يعمق كساده.
والسؤال هو: هل يطغى خوف اوروبا على الأمل في اليونان أم ان انتفاضة الناخب اليوناني تساهم في تصحيح الخطأ الأوروبي؟ من المبكر تقديم جواب. لكن التضحية باليونان هي استكمال للخطأ. ومن الصعب تصور الدائنين يدفعون اليونان الى خارج اليورو، أقله خوفاً على الديون.