Site icon IMLebanon

هل ينفذ حفتر تهديده بانقلاب عسكري في ليبيا؟

هذا الأسبوع باشر الوزير اللبناني السابق غسان سلامة مهمته الديبلوماسية كوسيط لعملية السلام في ليبيا، خلفاً للألماني مارتن كوبلر.

وهو الوسيط اللبناني الثاني الذي يتم اختياره لهذه المهمة، التي تولاها من قبله الوزير السابق طارق متري. وبعد مرور سنتين تقريباً (2012-2014) اقتنع الناشط الأكاديمي الدكتور متري أن الحوار الإسلامي- المسيحي، الذي يشرف على تنظيمه، هو أسهل بكثير من تحقيق مهمته السياسية المعقدة. لذلك عاد إلى لبنان، وراح يكتب في الصحف عن عناصر الأزمة المتشعبة في ليبيا غداة سقوط نظام معمر القذافي عام 2011.

طوال السنوات الخمس الماضية انسحب من هذه المهمة الشاقة البريطاني إيان مارتن واللبناني طارق متري والإسباني برناردو ليون والألماني مارتن كوبلر. وفي مطلع هذا الشهر أعلن أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أن غسان سلامة وافق على القيام بدور الوساطة. وربما اعتمد الأمين العام على النجاح الذي حققه سلامة يوم جمع كل أطراف النزاع الليبي في حلقة عقدت في جنيف باسم «منظمة الحوار الإنساني».

ومن المؤكد أن مجلس الأمن الدولي كان قد اطلع على ملف سلامة قبل أن يقرر الموافقة بالإجماع على تعيينه مبعوثاً جديداً إلى ليبيا. خصوصاً أنه قام بأدوار مماثلة في ميانمار مع الأمين العام السابق كوفي أنان… وفي لبنان، كمساند غير منظور لمهمة الأخضر الإبراهيمي الذي كلفته الأمم المتحدة والجامعة العربية بدور الوساطة في لبنان خلال الحرب الأهلية.

وكما أثبتت الاختبارات السابقة فإن غسان سلامة يعرف جيداً أن مهمة الوسيط كثيراً ما تتعرض لمضايقات أمنية خطرة. والمثل على ذلك ما حدث أمامه في بغداد يوم فجّر أبو مصعب الزرقاوي مركز الأمم المتحدة، الأمر الذي انتهى بمقتل المبعوث البرازيلي سيرجيو فييرا، مع عشرين آخرين من الموظفين.

استناداً إلى هذه الخلفية، رحب الاتحاد الأوروبي بتعيين سلامة ممثلاً خاصاً للأمين العام، خلفاً للألماني مارتن كوبلر. وبحصوله على هذا المنصب يكون وزير الثقافة اللبناني السابق سادس مبعوث أممي خاص لعملية السلام في ليبيا.

تقول الممثلة العليا للأمن والسياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي فيديريكا موغريني إن سلامة سيباشر نشاطه بالتعاون مع اللجنة الرباعية الدولية التي تضم: الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية والاتحاد الأفريقي.

أول المهنئين الليبيين لغسان سلامة كان العقيد أحمد المسماري، المتحدث الرسمي باسم «الجيش الوطني» الذي يرأسه المشير خليفة حفتر. وقد أتبع تهانيه بالتذكير أن حفتر أعطى الأطراف المتناحرة في ليبيا مهلة ستة أشهر فقط للتوصل إلى حل الأزمة المستمرة منذ إسقاط نظام معمر القذافي عام 2011.

وبالفعل، عقد يوم الجمعة الأسبق القائد العام للجيش الليبي المشير حفتر اجتماعاً مع زعماء القبائل أبلغهم خلاله أن صبر الجيش قد نفد بعد مرور أكثر من خمس سنوات أمضاها السياسيون بالمناقشات العقيمة. وأكمل حفتر بلهجة التهديد، إن قواته على استعداد للقيام بعملية عسكرية (انقلاب) تستهدف العاصمة طرابلس وتمهد لحكم الجيش. هذا في حال فشلت المحادثات خلال الأشهر الستة المقبلة.

ويبدو أن هذا الموعد مرتبط إلى حد كبير بانتهاء صلاحية الاتفاق السياسي المعروف باتفاق الصخيرات. وهو الاتفاق الذي وقعه برلمانيون في مدينة الصخيرات المغربية، والذي انتهت مدة تنفيذه بسبب رفض أطراف في شرق ليبيا التقيد ببعض بنوده.

وبما أن السلام في ليبيا هو مصلحة مشتركة تستفيد منه كل دول المغرب العربي، لذلك حرصت اللجنة المغربية- التونسية على تجديد رفضها الخيار العسكري، مؤكدة في بيانها المشترك على التزام الحل السياسي التوافقي. وهو- كما جاء في البيان- السبيل الوحيد الذي يصون وحدة التراب الليبي.

وتعمدت اللجنة إظهار تمسكها بخيار وحدة ليبيا بعدما ارتفعت صيحات التقسيم بواسطة تيارات مختلفة ظهرت في طرابلس ومصراتة وسرت وبنغازي. وواضح من توزيع هذه المدن على طول الساحل الليبي، الممتد على مسافة 1850 كلم، أن التاريخ السابق يمكن أن يتكرر. أي تاريخ ليبيا الشرقية المنحازة تجارياً إلى جارتها مصر… أو ليبيا الغربية المنحازة إلى جارتها الجزائر.

غسان سلامة باشر مهمته بالدعوة إلى تسريع إطلاق الحوار الوطني بين أطراف النزاع، ووفقاً للآليات التي نصت عليها الاتفاقات السابقة. وقد اشترط أن يكون الحوار المرتقب ضمن رؤية شاملة، بهدف جمع المتعارضات وإدخال كل التعديلات التي يقترحها الليبيون أنفسهم.

ويُفهَم من ضرورة تأمين أرضية مشتركة أن سلامة قد يعمل على تعديل اتفاق الصخيرات الذي وقّع في كانون الأول (ديسمبر) 2015. أي أنه في صدد إنتاج رؤية جديدة على الساحة الليبية، مستمدة من واقع الأحداث الأخيرة بحيث تكون صيغة الوفاق مادة جذب لمختلف شرائح المجتمع الليبي.

وحقيقة الأمر أن هذا المجتمع المفكك يخضع حالياً لتجاذب ثلاث حكومات هي:

أولاً- حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دولياً بقيادة فائز السراج. وقد تشكلت في شباط (فبراير) عام 2016، بموجب اتفاق الصخيرات الذي وقعه برلمانيون ليبيون برعاية الأمم المتحدة.

ثانياً- حكومة الإنقاذ المنبثقة من المؤتمر الوطني العام في شهر آب (أغسطس) عام 2014. وقد اختارت أن يكون مقرها المركزي في طرابلس برئاسة خليفة الغويل، ولكنها حتى الآن لم تحظَ باعتراف دولي.

ثالثاً- حكومة طبرق الموقتة المنبثقة من برلمان طبرق المنحل في أيلول (سبتمبر) 2014. وقد اختارت مقرها في شرق البلاد بمدينة البيضاء، وانتخبت عبدالله الثني رئيساً لها. وهي متحالفة مع اللواء خليفة حفتر.

الاتحاد الأوروبي أقدم على فرض عقوبات على ثلاثة مسؤولين هم: رئيس برلمان طبرق عقيلة صالح، ورئيس المؤتمر الوطني العام نوري أبو سهمين، ورئيس حكومة الإنقاذ خليفة الغويل.

وبالمقارنة مع أحداث الحرب اللبنانية، لا بد أن يلاحظ غسان سلامة أن الوطن الذي ينتمي إليه قد تعرض عام 1989 للتفسخ السياسي من خلال ازدواجية الحكم بين الدكتور سليم الحص والعماد ميشال عون.

خلال تلك المرحلة أعلن ميشال عون «حرب التحرير» ضد القوات السورية، الأمر الذي عارضته حكومة سليم الحص. واعتبرت كل الإجراءات والأوامر التي أصدرتها حكومة عون لاغية كونها لم تخضع لتوافق الفريقين.

ولم يقتصر «حكم الرأسين» على زعزعة الوضع الداخلي اللبناني، بل أقحم معه واشنطن وباريس وبعض العواصم العربية التي خضعت لمعايير المفاضلة بين سليم الحص وميشال عون.

وعندما توصل المقاتلون وزعماء الميليشيات بضغط من سورية والولايات المتحدة إلى «اتفاق الإذعان»، قام مجلس النواب بترجمة ذلك الموقف إلى اتفاق عقد في الطائف.

ويرى المؤرخون المعاصرون أن الرئيس الياس الهراوي ورئيس الحكومة رفيق الحريري استعجلا حرق المراحل، الأمر الذي أدى إلى استمرار «الحرب الصامتة» بين اللبنانيين. كل هذا لأنهما لم يسمحا بامتصاص النظام الذي أسسته الميليشيات على امتداد خمس عشرة سنة.

ومثل هذا «المطهر السياسي» استخدمه الجنرال فرانكو بعد انتصاره على الثوار في الحرب الأهلية الإسبانية. وانتظر سنوات عدة بغرض إعطاء الشعب فرصة النقاهة والشفاء من أعراض تلك الحرب. وعندما اطمأن إلى سلامة الوضع، أخرج الأمير خوان كارلوس من عزلته، واختاره وريثاً له في حكم إسبانيا.

خلاصة القول إن ليبيا تحتاج إلى عبور سلسلة جسور سياسية واقتصادية واجتماعية قبل أن تصبح دولة مهيأة لحكم ذاتها، بعيداً من الكوابيس التي زرعها معمر القذافي في عقول أنصاره ومعارضيه. خصوصاً بعدما ثبت أن دولاً خليجية وأوروبية وأفريقية كانت تشارك في تأمين العتاد والسلاح بهدف تحقيق نصر في أهم بلد عربي يطل على «بحيرة» المتوسط، ومنها «سرايا الدفاع عن بنغازي» التي وضعتها مصر والإمارات والسعودية والبحرين على لائحة الإرهاب المدعوم من قطر.

يجمع زعماء ليبيا على القول إن امتدادات تأثير ما يجري فيها تتخطى البحر المتوسط لتصل إلى إيطاليا واليونان من الشمال… وإلى مصر والسودان شرقاً… وتونس والجزائر غرباً… والنيجر وتشاد جنوباً.

لهذا السبب وسواه، تطالبها إيطاليا والدول الأوروبية عموماً بحراسة شاطئ طويل جداً تمر عبره زوارق المهاجرين الأفارقة. وكثيراً ما تتعرض هذه الزوارق المطاطية للغرق والضياع. وفي ليبيا حالياً أكثر من 250 ألف نازح أفريقي.

وقد تكون مصر من أكثر الدول المجاورة لليبيا تأثراً بنشاطات جماعة الحدود. وانطلاقاً من هذا البلد باتت جماعة «الإخوان المسلمين» وحلفاؤها يركزون على تهديد الأمن القومي المصري. ومن النادر أن يمر يوم واحد من دون وقوع عملية مسلحة. لهذا اتصل وزير الخارجية سامح شكري بغسان سلامة ليهنئه بالمنصب، ويلفت انتباهه إلى أهمية منع الميليشيات المسلحة من التسلل إلى مصر عبر حدودها الغربية.

ولكن القسم الكبير المنتمي إلى أكثر من ثلاثين قبيلة ليبية لا يتوقف عن النزوح باتجاه الدول الجارة مثل مصر وتونس والجزائر والنيجر. وتشير الأرقام إلى وجود نسبة عشرة في المئة من مجموع سكان مصر من أصول ليبية. وأكثر من هذه النسبة موجودة في تونس، بدليل أن الرئيس الحبيب بورقيبة- مؤسس دولة تونس الحديثة- هو ابن عائلة ليبية ترجع أصولها إلى قبيلة «بن دردف» في مصراتة. والأمر ذاته ينطبق على شاعر الوطن أحمد رفيق المهدوي.

وسط هذه الأمواج السياسية المتلاطمة يسعى غسان سلامة إلى العبور بـ «سفينة نوح» الملأى بمخلوقات لا يجمع بينها إلا رغبة الظفر بخيمة معمر القذافي. ولقد أفرِج عن نجله سيف الإسلام من السجن على أمل أن يسهم في تمزيق تلك الخيمة التي ظللت ليبيا مدة 42 سنة!