IMLebanon

هل يدفع الحريري ثمن الصراع بين البيت الابيض والخارجية؟

 

في الشكل، كل المؤشرات المتجمّعة في الأفق المحلي، توحي بأن طبخة سياسية ما في طريقها الى النضوج، بعدما شهدت اتصالات الكواليس لغة مخالفة لتلك على المنابر، مكوناتها الاساسية نأي فعلي بالنفس، وصونُ علاقات لبنان بالدول العربية والخليجية، باعتبارها نتيجة للصدمة الايجابية التي ولدتها نصف الاستقالة الحريرية.

اما في المضمون معلومات متناقضة مبنية على اساس التسريبات التي تتوالى يوميا حول حقيقة ما حصل في المملكة ذاك السبت، خصوصا ان كلام الرئيس الحريري مساء الاثنين جاء ليعزز الشكوك، علما ان الجميع يفتش عن الموقف الاميركي الجدي من كل ما يجري وموقع واشنطن في المفاوضات الجارية والتي تتولاها فرنسا، رغم ان بيت الوسط لم يشهد اي زيارة للسفيرة الاميركية حتى الساعة، كما بيروت التي غابت عنها الحركة الدبلوماسية الاميركية منذ ما بعيد الاستقالة لا علنا ولا سرا.

وبعيدا عن رواية «مجتهد» الذي دأب على فضح اسرار العائلة المالكة السعودية وسط مصداقية كبيرة تمتع بها طوال السنوات الماضية، تجمع الآراء على ان ما كان قبل الاستقالة بين الرياض وبيت الوسط لم يعد هو نفسه بعدها، وقد المح الى ذلك ولي العهد السعودي نفسه، حيث ينقل زوار الرياض عدم موافقة الاخيرة على خطوة التريث معتبرة ان الحريري سيدفع ثمنها من رصيده.

مصادر ديبلوماسية غربية متابعة للاجواء في واشنطن تشير الى ان موقف الاخيرة بدا لافتا منذ اليوم الاول،  فالصمت الذي رافق زيارة القائم بالاعمال الاميركي في الرياض للرئيس سعد الحريري، وتصريحات وزير الخارجية الاميركية جاءت مناقضة تماما للاجواء التي سمعتها شخصيات لبنانية في واشنطن ومن مقربين دوائر البيت الابيض، الذين اعتبروا ان خطوة الحريري لم تكن مفاجئة وانه آن الاوان للشيخ سعد ان يتكلم في بيروت بنفس اللغة التي يتكلمها خارجها، وان الولايات المتحدة الاميركية الحريصة على استقرار ووحدة وسيادة واستقلال لبنان حريصة في نفس الوقت على ان لا تكون استثماراتها الامنية والعسكرية في لبنان الضامن لاستقلال هذا البلد،الذي آن الوقت ان يخرج من تحت عباءة حزب الله ومحور الممانعة،وان الغرب مستعد للمساعدة في حال قرر الشعب اللبناني المبادرة.

ورأت المصادر نفسها ان في واشنطن رؤيتي نظر، الاولى لوزارة الخارجية «المصدومة» من الخطوة الحريرية، التي اعتبرها بعض دبلوماسيي الوزارة رسالة سعودية مباشرة للولايات المتحدة،بعدما نجح الحريري في تخفيف العقوبات المخطط فرضها على مؤسسات مالية لبنانية يشتبه بعلاقتها مع حزب الله، معتبرين إن ما أغضب تيلرسون ليس فقط فشل الرياض في إبلاغ واشنطن مسبقا بتحرك خطير لها في المنطقة، وذلك للمرة الثانية في اقل من ستة اشهر، بعد قرار قطع العلاقات مع قطر في حزيران، بل الاشتباه بأن البيت الأبيض، وتحديدا صهر الرئيس ومستشاره غاريد كوشنير، كان على علم بما حدث، ان لم يكن ساهم في التخطيط له، من دون أن يتقاسم هذه المعلومة مع الخارجية.

امر بدا واضح في الاجتماع الذي جمع  ديفيد ساترفيلد، مساعد تيلرسون لشؤون الشرق الأدنى في واشنطن مع وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج العربي والمستشار المقرب من ولي العهد، ثامر السهبان، حيث وضع المسؤول الأميركي ضيفه أمام مجموعة من الحقائق، منها ان أميركا لا تؤيد المبادرة السعودية، وتعتبر تصرف الرياض مزعزع للاستقرار.

امور، والكلام للمصادر الديبلوماسية الغربية، تظهر تباينا حادا مع رأي البيت الأبيض الذي يميل إلى عدم التشكيك في الطروحات السعودية، وهو ما كان واضحا خلال الأزمة القطرية، عندما «هدم السعوديون عمدا الجبهة السنية الموحدة للعالم العربي ضد إيران، وأصبح حتى أكثر وضوحا الآن في خضم أزمة الحريري». من هنا ترى المصادر ان التنافس بين سياستي الخارجية والبيت الأبيض لا بد ان يحسم قريبا،في ظل تكتل واسع في الادارة مناهض لوزير الخارجية.

وفي هذا الاطار تكشف المصادر ان زيارة السبهان، باستثناء لقائه في الخارجية، جاءت لتنسيق الخطوات التالية، وان كل الكلام عن «توبيخ» و«تأنيب» لا يمت الى واقع الامر بصلة، اذ ان الاخير حمل رسائل الى كبار القيادات في الادارة الاميركية، واطلع على الخطوات التي تعتزم الولايات المتحدة اتخاذها في غضون الاسابيع القادمة خصوصا ان استحقاق البت بالملف النووي الايراني يستحق قريبا،  كما جرى بحث الملف السوري والتسوية التي يعمل عليها الروس، كما تضمنت اللقاءات بحث مفصل للملف اللبناني انطلاقا من ان قطع الطريق البرية الواصلة من طهران الى بيروت لم يعد ممكنا مع سقوط البوكمال الا من خلال قطع التواصل البري بينلبنان وسوريا.

وتنهي المصادر الغربية كلامها بان التصور الاميركي واضح، لا امكانية لبنانية داخلية لسحب صاعق لغم الاستقالة،الذي يبقى رهن توافق سعودي ـ ايراني جديد بالحد الادنى، وهو ما يبدو بعيدا ما لم تبادر طهران الى التراجع خطوات الى الوراء، وان تلزيم الملف للفرنسيين جاء بعد ايصال رسائل واضحة بان اللجوء الى الشارع لقلب التوازنات السياسية خط احمر، وان لا حكومة في لبنان تكون المملكة خارجها.