لم يكن وصف رئيس مؤتمر «أوبك» وزير النفط القطري محمد السادة اجتماع وزراء النفط في العاصمة الجزائرية اليوم بأنه «تشاوري»، سوى محاولة لتفادي إعطاء الانطباع للسوق بفشل متوقع للاجتماع بسبب إيران.
واقع الحال أن وزراء «أوبك» كانوا اتخذوا قراراً بتجميد الإنتاج لمدة سنة ابتداء من مطلع تشرين الأول (أكتوبر) المقبل، لو لم تضع إيران شروطاً تعجيزية. فالسعودية وافقت، لمصلحتها ولمصلحة جميع الدول المنتجة، على تخفيض إنتاجها من مستوى آب (أغسطس) الذي بلغ 10.6 مليون برميل يومياً إلى 10.1 مليون برميل يومياً، من أجل إزالة الفائض في المخزون وتحسين سعر النفط.
غير أن إيران تصر على وضع حصة 4.1 مليون برميل يومياً وهي لا تنتج بهذا المستوى. والعرض السعودي الذي تم تقديمه إلى الجانب الإيراني في فيينا مبني على حقيقة إنتاج إيران. لكن طهران تصر على الادعاء بأن حصتها 4.1 مليون برميل يومياً في حين أن إنتاجها الحالي 3.6 مليون برميل يومياً، لا يمكن زيادته إلى 4.1 مليون قبل فترة تحتاج إلى استثمارات لتطوير حقول مسنة ومنهكة.
تريد إيران تسييس الموضوع، فضلاً عن رفع سعر النفط والمساهمة في إعادة التوازن إلى السوق النفطية عبر إزالة الفائض وتخفيض مستوى المخزون. ومؤتمر الجزائر اليوم يمثل فرصة للدول المنتجة لتحسين عائداتها وكلها تحتاج إلى ذلك علماً أن بعضها حاجته أكثر بكثير من الآخرين. نيجيريا والجزائر وفنزويلا وإيران وليبيا والعراق كلها دول تعاني في شكل كبير من تراجع أسعار النفط. ولا شك في أن دول الخليج والسعودية يمكنها أن تصمد أكثر من غيرها في وجه تدني الأسعار، لكن الجميع يتمنى التوازن في السوق وأسعار نفط معقولة لا تمنع الاستثمارات الضرورية في قطاع النفط العالمي من أجل تفادي أي نقص مستقبلي في الإمدادات.
إن عجز الوزراء عن التوصل إلى اتفاق سيؤدي إلى استمرار دول «أوبك» التي لديها طاقة إنتاجية فائضة، في الإنتاج بأقصى مستوى إنتاج بسبب الموقف الإيراني المعطل. وقد يستمر هذا الموقف إلى أن يُعقد الاجتماع الوزاري في فيينا في 30 تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل. وتكون إيران مسؤولة عن تضييع فرصة الجزائر من أجل تجميد يبدأ حالاً بدل ضياع شهرين وترك أسعار النفط تتدهور مجدداً.
حتى لو صدرت تصريحات من الرئاسة القطرية للمؤتمر بأن الاجتماع «تشاوري»، فالمفاوضات قائمة منذ الصيف بقيادة السعودية لوضع سناريوات معقولة مع أرقام إنتاج لإزالة الفائض من الأسواق. يقول أحد المتعاملين في قطاع النفط عن التفاوض مع الإيرانيين أنهم يعطون الانطباع بأنهم يتفاوضون مع محاورهم، في حين أن القرار النهائي يكون دائماً من القيادات المختبئة وراء المفاوضين.
إيران في حاجة إلى اتفاق في «أوبك» مثل جميع الدول المنتجة، ووزير النفط الجزائري الجديد نور الدين بوطرفة ذهب إلى طهران وموسكو والتقى الوزير السعودي خالد الفالح ونائبه الأمير عبدالعزيز بن سلمان والأمين العام لـ «أوبك» محمد باكندو في مسعى إلى إيجاد اتفاق. وقد يلجأ بوطرفة إلى ديبلوماسية بلده مع إيران لإقناع القيادة الإيرانية بعدم إفشال اتفاق تجميد الإنتاج. وإذا نجح هذا المسعى الجزائري، فسيكون لمصلحة الدول المنتجة للنفط.
إلا أن روسيا، وهي حليفة إيران حالياً في الحرب في سورية، لم تستطع إقناع إيران بتغيير موقفها في الصيف بعد مؤتمر الدوحة. لذلك، يُستبعد أن تنجح الجزائر في مثل هذا المسعى. ويبقى أن إيران تهدد بموقفها المعطل مصير «أوبك» وقدرة المنظمة على إعادة التوازن إلى السوق النفطية العالمية، أي أنها تخل بهدف وفلسفة إنشاء المنظمة إذا بقيت على هذا الموقف.