تأليف الحكومة لم يغادر المربع الأول.. ومنسوب العقد إلى ارتفاع
هل يصل لبنان إلى مرحلة الوقوف أمام خيارين: التوطين أو الإفلاس؟
مروحة من المشاورات للرئيس المكلف بعد عودته لتدوير الزوايا وتفكيك الصواعق التي تعترض ولادة الحكومة
بالرغم من المناخات السياسية التي تلاقت قبل وبعد تكليف الرئيس سعد الحريري تأليف الحكومة على ضرورة الإسراع في عملية التشكيل، فإن هذا التلاقي سرعان ما تفرق إلى اتجاهات مختلفة نتجت عنها عقبات كثيرة وضعت امام عجلة التأليف التي تتفاقم عقدها يوماً بعد يوم، حتى بات البعض من المطلعين على مسار المشاورات والمفاوضات الجارية بهذا الشأن لا يستبعدون امتداد عمر حكومة تصريف الأعمال أشهراً، ما لم ينجح الرئيس المكلف بعد عودته من الخارج في ابتداع صيغة ما تؤدي إلى احداث خرق في جدار المطالب السياسية التي ما تزال عصية على التحقيق، وكأن من يطرحها يُخفي وراء ذلك نوايا تعطيلية لأسباب غير معروفة.
ليس خافياً على أحد ان البلد دخل مدار مناخات سياسية واقتصادية غير مريحة لا بل خطيرة، والرئيس نبيه برّي ما برح يحذر من الوصول إلى الهاوية ما لم يسارع أصحاب الشأن إلى انتشال الوضع الحكومي من حقل الألغام الموجود فيه، وهو يكرر امام من يلتقيهم في عين التينة الاعراب عن استيائه من التأخير الذي يراه غير مبرر في عملية تأليف الحكومة، وهو يضيف على العوامل الداخلية التي تعترض سبيل ولادة الحكومة عوامل خارجية في مكان ما، وهو ما يجعل المرء يخشى ان يطول أمد التأليف كون ان الأمور ربما تخرج من يد اللبنانيين في حال فرضت الظروف الإقليمية أو الدولية ذلك.
وفي اعتقاد أوساط متابعة ان عملية تأليف الحكومة لم تخرج من المربع الأوّل الذي انطلق منه الرئيس المكلف، وان العقد التي واجهته ما تزال على حالها، فالنائب وليد جنبلاط ما زال مصراً على ان لا يشاركه أحد في الحصة الدرزية من منطلق حجمه النيابي ولو أدى به الأمر إلى عدم المشاركة في الحكومة، كما ان النائب طلال أرسلان الذي التقى وفداً من «حزب الله» في الساعات الماضية ما زال يُصرّ على المشاركة في الحكومة.
اما بشأن التمثيل السنّي فإن هذا الأمر لم يحل بعد، وتوحي المعطيات بأن الموضوع معقد أكثر مما يعتقد البعض، وقد عكس هذا الجو الاجتماع الذي عقد بالأمس لعدد من نواب الطائفة السنّية من خارج فلك «تيار المستقبل» وطالبوا «بأن تضم الحكومة كافة القوى فتكون شاملة وعادلة انطلاقاً من مبدأ التمثيل وفقا لنتائج الانتخابات النيابية»، وهم اعلنوا ان من حقهم ان يتمثلوا بوزيرين على الأقل قياساً على تمثيل القوى الأخرى، وهذا الطلب بالتأكيد يلقى معارضة شديدة من الرئيس الحريري الذي إلى الآن يرفض ذلك من مبدأ ان هؤلاء النواب لا ينتمون إلى كتلة نيابية واحدة على غرار باقي الكتل.
وفي ما خص العقدة القواتية – العونية فإنه لم يسجل في الأفق أي مؤشر يوحي بحل قريب لها حيث يتمترس الفريقان وراء مواقفهما المعلنة منذ بداية رحلة التأليف، وبذلك تكون الأبواب ما تزال موصدة امام ولادة الحكومة وان هذا الأمر يحتم قيام الرئيس المكلف، بعد عودته إلى بيروت، بمروحة من الاتصالات والمشاورات لتذليل العقبات وتدوير الزوايا في سبيل عبور عملية التأليف حقل الألغام الموجود من دون انفجار أي صاعق يُمكن ان يدخل البلاد مجدداً في مرحلة تصريف الأعمال الحكومية لفترة طويلة يفقد معها لبنان الكثير من المساعدات والهبات الدولية التي تقررت له في أكثر من مؤتمر دولي، وهذا الأمر ان هو حصل – لا سمح الله – سيؤدي إلى تفاقم الوضعين الاقتصادي والمعيشي إضافة إلى الشأن المالي على الرغم من الجرعات التطمينية التي يعطيها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة حول الليرة اللبنانية.
وفي هذا الإطار، تعرب مصادر سياسية عن خوفها من ان يوضع لبنان في المرحلة القادمة امام خيارات مرّة من بينها التوطين أو الإفلاس، سيما وان الدين العام تجاوز الـ80 مليار دولار ولبنان سيعجز عن ايفاء هذا الدين الذي هو في جانب منه دين داخلي في حال بقي وضعه على النحو الذي هو عليه اليوم.
من هذا المنطلق، تؤكد المصادر ضرورة تنبه المسؤولين إلى ما ينتظر لبنان من مخاطر، وان يسارعوا إلى ترتيب البيت الداخلي من خلال تأليف الحكومة والقيام بعملية إصلاحات واسعة بعد ان وصل الحديث عن الفساد والهدر إلى أعلى مستوى له في إدارات ومؤسسات الدولة، وهذا الأمر يُشكّل هاجساً حقيقياً لدى الدول التي ترغب في مساعدة لبنان من جهة، كما انها من جهة ثانية تجعل المستثمرين يحجمون عن القيام بأي عمل في لبنان في ظل الظروف الراهنة.
وتخلص المصادر إلى التأكيد بأنه ما لم تزل العقد من امام تأليف الحكومة وتصدر مراسيمها في غضون أسبوعين أو ثلاثة على أبعد تقدير فإن أزمة التأليف ستطول، وسيدخل لبنان منعطفاً خطيراً على كافة المستويات لا سيما الاقتصادية منها، وقد أشار إلى ذلك الرئيس برّي الذي وصف الوضع الاقتصادي في حالته الحاضرة بأنه وضع مهترئ.